مطلب : في كراهة ، وأنه احتقار للنعمة . الأكل متكئا
( و ) يكره أكل الأكل والشرب حال كونه ( متكئا ) لقوله صلى الله عليه وسلم : { } قال بعض العلماء : المتكئ هو المائل يعني في جلسته على جنبه وفسره بعض علمائنا بمطمئن . قال العلامة أما أنا فلا آكل متكئا ابن مفلح في [ ص: 93 ] قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه { البخاري } أي لا آكل أكل راغب في الدنيا متمكن ، بل آكل مستوفزا بحسب الحاجة . : لا آكل متكئا
قال في القاموس : ضربه فأتكأه كأخرجه ألقاه على هيئة المتكئ أو على جانبه الأيسر ، وقال في قوله عليه الصلاة والسلام : " لا آكل متكئا " المتكئ هنا الجالس المعتمد على شيء تحته قال وأراد أنه لا يقعد على الوطاء ، والوسائد كفعل من يريد الإكثار من الطعام ، بل يقعد مستوفزا لا مستوطئا ويأكل بلغة . انتهى . الخطابي
ويأتي الكلام على الشرب ، والأكل قائما في محله ، وظاهر كلامهم كراهة الأكل متكئا ، وعبارة الفروع وغيره صريحة في الكراهة ، وهي بعد قوله ، ويكره . قال الإمام عيب طعام وأكله من وسطه وأعلاه : ومتكئا ، وفي الغنية وعلى طريق وعبارة الآداب : ويكره أكله متكئا ومضطجعا . زاد في الإقناع كالآداب ، أو منبطحا انتهى . أحمد
وقال الإمام ابن هبيرة : أكل الرجل متكئا يدل على استخفافه بنعمة الله فيما قدم بين يديه من رزقه فيما يراه الله على تناوله ويخالف عوائد الناس عند أكلهم الطعام من الجلوس إلى أن يتكئ عنه ، فإن هذا يجمع بين سوء الأدب ، والجهل واحتقار النعمة ولأنه إذا كان متكئا لا يصل الغذاء إلى قعر المعدة الذي هو محل الهضم فلذلك لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على كراهته .
وفي سنن أبي داود عن رضي الله عنه { أبي هريرة } . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على مائدة شرب عليها الخمر وأن يأكل ، وهو منبطح على بطنه
وذكر بعض مشايخ الحنفية أنه لا بأس بالأكل متكئا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل يوم خيبر متكئا كذا قالوا ، والحديث الذي استدلوا به رواه من طريق الطبراني ، وهو ثقة لكنه مدلس ، وفي رجاله بقية عمر الشامي مجهول ، ولفظه عن رضي الله عنه قال { واثلة بن الأسقع : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جعلت له مائدة فأكل متكئا وأصابته الشمس فلبس الظلة } قلت : وعلى فرض صحة هذا الحديث ، فإنه منسوخ يدل له ما روي عن واثلة نفسه رضي الله عنه قال { : أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 94 ] متكئا وقتا يسيرا ، ثم تركه } .
ذكره أصحاب السير منهم الشيخ محمد الشامي في سيرته هذا مع ما روى أبو داود عن رضي الله عنهما أنه قال { عبد الله بن عمرو } . : ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا
والترمذي عن قال : { عبد الله بن عبيد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فقالت : يا نبي الله لو أكلت وأنت متكئ كان أهون عليك فأصغى بجبهته إلى الأرض ، وقال : بل آكل كما يأكل العبد وأنا جالس كما يجلس العبد ، فإنما أنا عبد قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفز عائشة } .
وفي صحيح عن مسلم رضي الله عنه قال { أنس } وفي رواية { : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر هدية فجعل يقسمه ، وهو محتفز يأكل منه أكلا ذريعا } . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا مقعيا يأكل تمرا
نعم في مسلم وأبي داود عن مصعب بن سليم عن رضي الله عنه أيضا قال { أنس : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فرأيته يأكل متكئا } ، وهذا كأنه كان أولا ، ثم نسخ يدل له مع ما قدمنا ما روى عن النسائي رضي الله عنهما { ابن عباس جبريل فقال الملك : إن الله تبارك وتعالى يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير فأشار جبريل بيده أن تواضع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أكون عبدا نبيا } فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا ، وهذا ظاهر ولله الحمد . أن الله تبارك وتعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومعه
فإن قيل : هذا الحديث لا يقاوم حديث ، قلنا : نعم ولكن صرح الصحابي بما يخص إطلاق ذاك في سائر الأزمنة بالزمن الذي قبل هذه المقالة ، وعلى فرض التسليم يكون فعله بعد النهي لبيان الجواز والله أعلم . مسلم
وقوله ( دد ) أي اللهو واللعب قال في القاموس الدد اللهو واللعب كالدد يعني أنه إنما أكل متكئا لأجل اللهو وعدم الاكتراث بالآداب المشروعة في الأكل والشرب والله تعالى أعلم .