الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة وقوف المستأذن تلقاء الباب : ووقفته تلقاء باب وكوة فإن لم يجب يمضي وإن يخف يزدد ( و ) مكروه للمستأذن أيضا ( وقفته تلقاء ) أي عند ( باب ) مستأذن عليه مقابلا له ، ; لأن الاستئذان إنما شرع من أجل النظر .

قال في الآداب الكبرى : ولا يواجه الباب في استئذانه ; لأن { رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقام مستقبل الباب ، فقال عليه السلام هكذا عينك وهكذا ، فإنما الاستئذان من النظر } . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه { إذا دخل البصر فلا إذن } حديثان حسنان رواهما أبو داود .

وأخرج الطبراني من حديث إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ولم يسمع منه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستئذان في البيوت ، فقال : من دخلت عينه قبل أن يستأذن ويسلم فلا إذن له ، وقد عصى ربه } ، قال المنذري : رواته ثقات .

[ ص: 313 ] و ) مثل الباب وقفته تلقاء ( كوة ) بفتح الكاف وتضم : الخرق والثقب في الحائط ، ويقال كو من غير تأنيث . قال في القاموس : التذكير للكبير ، والتأنيث للصغير جمعه كوى وكواء ; لأنها في معنى الباب بجامع توصل النظر من كل منهما .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه } .

وفي رواية للنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال { من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص } . وفي رواية أبي داود { ففقئوا عينه فقد هدرت } .

ومثل الكوة خصاص الباب لما في الحديث الثابت { أن أعرابيا أتى باب النبي صلى الله عليه وسلم فألقم عينه خصاصة الباب ، فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فتوخاه بحديدة أو عود ليفقأ عينه ، فلما أبصره انقمع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما إنك لو ثبت لفقأت عينك } وخصاصة الباب بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين هي الثقب فيه والشقوق .

ومعناه أنه جعل الشق الذي في الباب محاذيا عينه .

ومعنى توخاه بتشديد الخاء المعجمة قصده ومعنى انقمع رد بصره ورجع يقال : أقمعت الرجل عني إقماعا إذا طلع عليك فرددته عنك فكأن المردود أو الراجع قد دخل في قمعه ، ومنه حديث منكر ونكير " فينقمع العذاب عند ذلك " أي يرجع ويتداخل .

وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه { أن رجلا اطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدراة يحك بها رأسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } .

وعند الطبراني من طريق أحدها جيد عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تأتوا البيوت من أبوابها ، ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا ، وإلا فارجعوا } وهو معنى قول الناظم رحمه الله ( فإن ) استأذن بقوله السلام عليكم أأدخل ، أو السلام عليكم فقط على ما هو و ( لم يجب ) بالبناء للمفعول أي لم يجبه رب المنزل ( يمضي ) لما في الأخبار المارة وغيرها .

قال ابن الجوزي وغيره : [ ص: 314 ] فلا يقف على الباب ، ويلازمه للآية .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا { إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع } وتقدم .

والمراد إن علم أو ظن أنهم سمعوا صوته ( وإن ) حرف شرط جازم و ( يخف ) فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط مجزوم بحذف الألف ; لأنه معتل بها ونائب الفاعل مستتر عائد على المستأذن يعني وإن يخف صوته ( يزدد ) جواب الشرط وحرك بالكسر للقافية .

والمعنى أنه متى علم أو ظن أنهم لم يسمعوا صوت استئذانه زاد على الثلاث مرات حتى يعلم أو يظن أنهم سمعوه .

قال في الآداب الكبرى : وقيل لا يزيد على الثلاث مطلقا ، قاله بعض العلماء عملا بظاهر الحديث ، وهو ظاهر كلام بعض الأصحاب ، وأراد به الإمام العلامة المحقق ابن القيم حيث قال : وهذا القول مخالف للسنة يريد أنه لا يزيد على الثلاث إلا إن ظن عدم سماعهم .

قال م ص في شرح الإقناع : فيزيد بقدر ما يظن أنهم سمعوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية