ذكر تكريت والموصل
وفي هذه السنة تكريت في جمادى . فتحت
وسبب ذلك أن الأنطاق سار من الموصل إلى تكريت ، وخندق عليه ليحمي أرضه ومعه الروم وإياد وتغلب والنمر والشهارجة ، فبلغ ذلك سعدا فكتب إلى عمر ، فكتب إليه عمر : أن سرح إليه عبد الله بن المعتم ، واستعمل على مقدمته ربعي بن الأفكل ، وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة . فسار عبد الله إلى تكريت ونزل على الأنطاق ، فحصره ومن معه أربعين يوما ، فتزاحفوا أربعة وعشرين زحفا ، وكانوا أهون شوكة من أهل جلولاء ، وأرسل عبد الله بن المعتم إلى العرب الذين مع الأنطاق يدعوهم إلى نصرته ، وكانوا لا يخفون عليه شيئا . ولما رأت الروم المسلمين ظاهرين عليهم تركوا أمراءهم ونقلوا متاعهم إلى السفن ، فأرسلت تغلب وإياد والنمر إلى عبد الله بالخبر ، وسألوه الأمان وأعلموه أنهم معه ، فأرسل إليهم : إن كنتم صادقين فأسلموا . فأجابوه وأسلموا . فأرسل إليهم عبد الله : إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا أخذنا أبواب الخندق ، فخذوا الأبواب التي تلي دجلة وكبروا واقتلوا من قدرتم عليه .
ونهد عبد الله والمسلمون وكبروا وكبرت تغلب وإياد والنمر وأخذوا الأبواب ، [ ص: 349 ] فظن الروم أن المسلمين قد أتوهم من خلفهم مما يلي دجلة ، فقصدوا الأبواب التي عليها المسلمون ، فأخذتهم سيوف المسلمين وسيوف الربعيين الذين أسلموا تلك الليلة ، فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب وإياد والنمر . وأرسل عبد الله بن المعتم ربعي بن الأفكل إلى الحصنين ، وهما نينوى والموصل ، تسمى نينوى الحصن الشرقي وتسمى الموصل الحصن الغربي ، وقال : اسبق الخبر ، وسرح معه تغلب وإيادا والنمر . فقدمهم ابن الأفكل إلى الحصنين ، فسبقوا الخبر ، وأظهروا الظفر والغنيمة وبشروهم ووقفوا بالأبواب ، وأقبل ابن الأفكل فاقتحم عليهم الحصنين وكلبوا أبوابهما ، فنادوا بالإجابة إلى الصلح وصاروا ذمة . وقسموا الغنيمة فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف درهم ، وسهم الراجل ألف درهم ، وبعثوا بالأخماس إلى عمر ، وولى حرب الموصل ربعي بن الأفكل ، والخراج عرفجة بن هرثمة .
وقيل : إن استعمل عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد على قصد الموصل ، وفتحها سنة عشرين ، فأتاها فقاتله أهل نينوى ، فأخذ حصنها ، وهو الشرقي ، عنوة ، وعبر دجلة ، فصالحه أهل الحصن الغربي ، وهو الموصل ، على الجزية ، ثم فتح المرج وبانهذرا ، وباعذرا وداسن وجميع معاقل الأكراد وقردى وبازبدى وجميع أعمال الموصل فصارت للمسلمين .
وقيل : إن لما فتح بلدا ، على ما نذكره ، أتى عياض بن غنم الموصل ففتح أحد الحصنين وبعث عتبة بن فرقد إلى الحصن الآخر ففتحه على الجزية والخراج والله أعلم .
( المعتم بضم الميم ، وسكون العين المهملة ، وآخره ميم مشددة ) .