[ ص: 334 ] ذكر الحروب إلى آخر السنة
فمن ذلك برس وبابل وكوثى يوم
لما فرغ سعد من أمر القادسية أقام بها بعد الفتح شهرين ، وكاتب عمر فيما يفعل ، فكتب إليه يأمره بالمسير إلى المدائن ، وأن يخلف النساء والعيال بالعتيق ، وأن يجعل معهم جندا كثيفا وأن يشركهم في كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم . ففعل ذلك ، وسار من القادسية لأيام بقين من شوال ، وكل الناس مؤد مذ نقل الله إليهم ما كان في عسكر الفرس . فلما وصلت مقدمة المسلمين برس وعليهم عبد الله بن المعتم وزهرة بن حوية وشرحبيل بن السمط لقيهم بها بصبهرا في جمع من الفرس ، فهزمه المسلمون ومن معه إلى بابل ، وبها فالة القادسية وبقايا رؤسائهم النخيرخان ، ومهران الرازي ، والهرمزان ، وأشباههم ، وقد استعملوا عليهم الفيرزان ، وقدم بصبهرا منهزما من برس ، فوقع في النهر ، ومات من طعنة كان طعنه زهرة .
ولما هزم بصبهرا أقبل بسطام دهقان برس فصالح زهرة ، وعقد له الجسور ، وأخبره بمن اجتمع ببابل ، فأرسل زهرة إلى سعد يعرفه ذلك . فقدم عليه سعد ببرس وسيره في المقدمة ، وأتبعه عبد الله وشرحبيل وهاشما المرقال ، واتبعهم ، فنزلوا على الفيرزان ببابل وقد قالوا : نقاتلهم قبل أن نفترق ، فاقتتلوا فهزمهم المسلمون ، فانطلقوا على وجهين ، فسار الهرمزان نحو الأهواز فأخذها فأكلها ، وخرج الفيرزان نحو نهاوند ، فأخذها فأكلها وبها كنوز ، وأكل كسرى الماهين ، وسار النخيرخان ومهران إلى المدائن وقطعا الجسر .
وأقام سعد ببابل ، فقدم زهرة بين يديه بكير بن عبد الله الليثي وكثير بن شهاب السعدي حتى عبرا الصراة ، فلحقا بأخريات القوم ، وفيهم فيومان والفرخان ، فقتل بكير الفرخان وقتل كثير فيومان بسوراء ، وجاء زهرة فجاز سوراء ونزل ، وجاء سعد وهاشم [ ص: 335 ] والناس ونزلوا عليه ، وتقدم زهرة نحو الفرس ، وكانوا قد نزلوا بين الدير وكوثى ، وقد استخلف النخيرخان ومهران على جنودهما شهريار ، فنازلهم زهرة ، فبرزوا إلى قتاله ، وخرج شهريار يطلب المبارزة ، فأخرج زهرة إليه أبا نباتة نائل بن جشعم الأعرجي ، وكان من شجعان بني تيم ، وكلاهما وثيق الخلق . فلما رأى شهريار نائلا ألقى الرمح ليعتنقه ، وألقى أبو نباتة رمحه ليعتنقه أيضا ، وانتضيا سيفيهما فاجتلدا ، ثم اعتنقا فسقطا عن دابتهما ، فوقع شهريار عليه كأنه جمل ، فضغطه بفخذه ، وأخذ الخنجر وأراد حل أزرار درعه ، فوقعت إصبعه في نائل فكسر عظمها ، ورأى منه فتورا فبادر وجلد به الأرض ، ثم قعد على صدره وأخذ خنجره وكشف درعه عن بطنه ، وطعن به بطنه وجنبه حتى مات ، وأخذ فرسه وسواريه وسلبه ، وانهزم أصحابه فذهبوا في البلاد ، وأقام زهرة بكوثى حتى قدم عليه سعد ، فقدم إليه نائلا وألبسه سلاح شهريار وسواريه وأركبه برذونه وغنمه الجميع ، فكان أول أعرجي سور بالعراق ، وقام بها سعد أياما وزار مجلس إبراهيم الخليل - عليه السلام - .
وقيل : كانت هذه الوقعات سنة ست عشرة .
( نائل بالنون ، وبعد الألف ياء تحتها نقطتان ، وآخره لام ) .