[ ص: 324 ] ذكر قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية فتح
ثم أرسل أبو عبيدة إلى خالد بن الوليد قنسرين . فلما نزل الحاضر زحف إليهم الروم وعليهم ميناس ، وكان من أعظم الروم بعد هرقل ، فاقتتلوا فقتل ميناس ومن معه مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها ، فماتوا على دم واحد . وسار خالد حتى نزل على قنسرين فتحصنوا منه ، فقالوا : لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا . فنظروا في أمرهم ورأوا ما لقي أهل حمص فصالحوهم على صلح حمص ، فأبى خالد إلا على إخراب المدينة فأخربها . فعند ذلك دخل هرقل القسطنطينية ; وسببه : أن خالدا وعياضا أدربا إلى هرقل من الشام ، وأدرب عمرو بن مالك من الكوفة ، فخرج من ناحية قرقيسيا ، وأدرب عبد الله بن المعتم من ناحية الموصل ، ثم رجعوا ، فعندها دخل هرقل القسطنطينية ، وكانت هذه أول مدربة في الإسلام سنة خمس عشرة ، وقيل : ست عشرة .
فلما بلغ عمر صنيع خالد قال : أمر خالد نفسه ، يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال مني ! وقد كان عزله والمثنى بن حارثة وقال : إني لم أعزلهما عن ريبة ولكن الناس عظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما .
فأما المثنى فإنه رجع عن رأيه فيه لما قام بعد أبي عبيدة ، ورجع عن خالد بعد قنسرين . وأما هرقل فإنه خرج من الرهاء ; وكان أول من أنبح كلابها ونفر دجاجها من المسلمين زياد بن حنظلة - وكان من الصحابة - ، وسار هرقل فنزل بشمشاط ، ثم أدرب منها نحو القسطنطينية . فلما أراد المسير منها علا على نشز ثم التفت إلى الشام فقال : السلام عليك يا سورية ، سلام لا اجتماع بعده ، ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا ، حتى يولد المولود المشئوم ، يا ليته لا يولد ! فما أحلى فعله وأمر فتنته على الروم ! . ثم سار فدخل القسطنطينية ، وأخذ أهل الحصون التي بين الإسكندرية وطرسوس معه لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم ، وشعث الحصون ، فكان المسلمون لا [ ص: 325 ] يجدون بها أحدا ، وربما كمن عندها الروم فأصابوا غرة المتخلفين ، فاحتاط المسلمون لذلك .