[ ص: 187 ] nindex.php?page=treesubj&link=31156_31185_33696حديث السقيفة وخلافة أبي بكر - رضي الله عنه وأرضاه -
لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمع
الأنصار في
سقيفة بني ساعدة ليبايعوا
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة ، فبلغ ذلك
أبا بكر ، فأتاهم ومعه
عمر nindex.php?page=showalam&ids=5وأبو عبيدة بن الجراح ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : منا أمير ، ومنكم أمير . فقال
أبو بكر : منا الأمراء ، ومنكم الوزراء . ثم قال
أبو بكر : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين
عمر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة . فقال
عمر : أيكم يطيب نفسا أن يخلف قدمين قدمهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فبايعه
عمر وبايعه الناس . فقالت
الأنصار أو بعض
الأنصار : لا نبايع إلا
عليا . قال : وتخلف
علي ،
وبنو هاشم ،
والزبير ،
وطلحة - عن البيعة . وقال
الزبير : لا أغمد سيفا حتى يبايع
علي . فقال
عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر ، ثم أتاهم
عمر ، فأخذهم للبيعة .
وقيل : لما سمع
علي بيعة
أبي بكر خرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا ، حتى بايعه ، ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلله .
والصحيح : أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر . والله أعلم .
وقيل : لما اجتمع الناس على بيعة
أبي بكر أقبل
أبو سفيان وهو يقول : إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم ! يا آل
عبد مناف ، فيم
أبو بكر من أموركم ؟ أين المستضعفان ؟ أين الأذلان
علي والعباس ؟ ما بال هذا الأمر في أقل حي من
قريش ؟ ثم قال
لعلي : ابسط
[ ص: 188 ] يدك أبايعك ، فوالله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجلا . فأبى
علي - عليه السلام - فتمثل بشعر المتلمس :
ولن يقيم على خسف يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد هذا على الخسف معكوس برمته
وذا يشج فلا يبكي له أحد
فزجره
علي وقال : والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرا ! لا حاجة لنا في نصيحتك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كنت أقرئ
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف القرآن ، فحج
عمر وحججنا معه ، فقال لي
عبد الرحمن : شهدت أمير المؤمنين اليوم
بمنى ، وقال له رجل : سمعت فلانا يقول : لو مات
عمر لبايعت فلانا ، فقال
عمر : إني لقائم العشية في الناس أحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم . قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، وهم الذين يغلبون على مجلسك ، وأخاف أن تقول مقالة لا يعوها ولا يحفظوها ويطيروا بها ، ولكن أمهل حتى تقدم
المدينة ، وتخلص بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقول ما قلت ، فيعوا مقالتك . فقال : والله لأقومن بها أول مقام أقومه
بالمدينة .
قال : فلما قدمت
المدينة هجرت يوم الجمعة لحديث
عبد الرحمن ، فلما جلس
عمر على المنبر حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال بعد أن ذكر الرجم وما نسخ من القرآن فيه : إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا ، فلا يغرن امرأ أن يقول : إن بيعة
أبي بكر كانت فتنة ، فقد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل
أبي بكر ، وإنه كان خيرنا حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن
عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت
فاطمة ، وتخلف عنا
الأنصار ، واجتمع
المهاجرون إلى
أبي بكر ، فقلت له : انطلق بنا إلى إخواننا من
الأنصار ، فانطلقنا نحوهم ، فلقينا رجلان صالحان من
الأنصار ، أحدهما
nindex.php?page=showalam&ids=174عويم بن ساعدة ، والثاني
nindex.php?page=showalam&ids=8131معن بن عدي ، فقالا
[ ص: 189 ] لنا : ارجعوا اقضوا أمركم بينكم . قال : فأتينا
الأنصار وهم مجتمعون في
سقيفة بني ساعدة وبين أظهرهم رجل مزمل ، قلت : من هذا ؟ قالوا :
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة وجع ، فقام رجل منهم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فنحن
الأنصار ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر
قريش رهط بيننا ، وقد دفت إلينا دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يغصبونا الأمر . فلما سكت وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي
أبي بكر ، فلما أردت أن أتكلم قال
أبو بكر : على رسلك ! فقام فحمد الله ، وما ترك شيئا كنت زورت في نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه ، وقال : يا معشر
الأنصار ، إنكم لا تذكرون فضلا إلا وأنتم له أهل ، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا
لقريش ، هم أوسط العرب دارا ونسبا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين . وأخذ بيدي وبيد
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح ، وإني والله ما كرهت من كلامه كلمة غيرها ، إن كنت أقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم ، أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم
أبو بكر .
فلما قضى
أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير . وارتفعت الأصوات واللغط ، فلما خفت الاختلاف قلت
لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك ، فبسط يده فبايعته وبايعه الناس ، ثم نزونا على
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة ، فقال قائلهم : قتلتم
سعدا . فقلت : قتل الله
سعدا . وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من بيعة
أبي بكر ، خشيت إن فارقت القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما أن نتابعهم على ما لا نرضى به ، وإما أن نخالفهم فيكون فسادا .
وقال
أبو عمرة الأنصاري : لما قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعت
الأنصار في
سقيفة بني ساعدة ، وأخرجوا
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة ليولوه الأمر ، وكان مريضا فقال بعد أن حمد الله : يا معشر
الأنصار ، لكم سابقة وفضيلة ليست لأحد من العرب ، إن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - لبث في
[ ص: 190 ] قومه بضع عشرة سنة يدعوهم ، فما آمن إلا القليل ، ما كانوا يقدرون على منعه ولا على إعزاز دينه ، ولا على دفع ضيم ، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ، ورزقكم الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها ، وأعطى البعيد المقادة صاغرا ، فدانت لرسوله بأسيافكم العرب ، وتوفاه الله وهو عنكم راض قرير العين . استبدوا بهذا الأمر دون الناس ، فإنه لكم دونهم .
فأجابوه بأجمعهم : أن قد وفقت وأصبت الرأي ، ونحن نوليك هذا الأمر ، فإنك مقنع ورضا للمؤمنين . ثم إنهم ترادوا الكلام فقالوا : وإن أبى
المهاجرون من
قريش ، وقالوا : نحن
المهاجرون وأصحابه الأولون ، وعشيرته وأولياؤه ؟ ! فقالت طائفة منهم : فإنا نقول : منا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا أبدا . فقال
سعد : هذا أول الوهن .
وسمع
عمر الخبر فأتى منزل النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأبو بكر فيه ، فأرسل إليه أن اخرج إلي . فأرسل إليه : إني مشتغل . فقال
عمر : قد حدث أمر لابد لك من حضوره . فخرج إليه ، فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما
أبو عبيدة . قال
عمر : فأتيناهم وقد كنت زورت كلاما أقوله لهم ، فلما دنوت أقول أسكتني
أبو بكر ، وتكلم بكل ما أردت أن أقول ، فحمد الله وقال : إن الله قد بعث فينا رسولا شهيدا على أمته ليعبدوه ويوحدوه ، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى من حجر وخشب ، فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم . فخص الله
المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والمواساة له ، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم ، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم ، فهم أول من عبد الله في هذه الأرض ، وآمن بالله وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، لا ينازعهم إلا ظالم ، وأنتم يا معشر
الأنصار ، من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم في الإسلام ، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته ، فليس بعد
المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تفاوتون بمشورة ، ولا تقضى دونكم الأمور .
فقام
حباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا معشر
الأنصار ، املكوا عليكم أمركم ،
[ ص: 191 ] فإن الناس في ظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولا يصدروا إلا عن رأيكم ، أنتم أهل العز وأولو العدد والمنعة وذوو البأس ، وإنما ينظر الناس ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم أمركم ، أبى هؤلاء إلا ما سمعتم ، فمنا أمير ومنكم أمير .
فقال
عمر : هيهات ، لا يجتمع اثنان في قرن ! والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم ، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، ولنا بذلك الحجة الظاهرة ، من ينازعنا سلطان
محمد ونحن أولياؤه وعشيرته ؟ !
فقال
الحباب بن المنذر : يا معشر
الأنصار ، املكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم فأجلوهم عن هذه البلاد ، وتولوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ، فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين ، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ! أنا أبو شبل في عرينة الأسد ، والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة .
فقال
عمر : إذا ليقتلك الله ! فقال : بل إياك يقتل .
فقال
أبو عبيدة : يا معشر
الأنصار ، إنكم أول من نصر ، فلا تكونوا أول من بدل وغير ! فقام
بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال : يا معشر
الأنصار ، إنا والله وإن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين ، وسابقة في الدين ، ما أردنا به إلا رضى ربنا ، وطاعة نبينا ، والكدح لأنفسنا ، فما ينبغي أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به الدنيا ، ألا إن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - من
قريش ، وقومه أولى به ، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم .
فقال
أبو بكر : هذا
عمر وأبو عبيدة ، فإن شئتم فبايعوا . فقالا : والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، وأنت أفضل
المهاجرين وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، وهي أفضل دين المسلمين ، ابسط يدك نبايعك . فلما ذهبا يبايعانه سبقهما
بشير بن سعد فبايعه ، فناداه
الحباب بن المنذر : عقتك عقاق ! أنفست على ابن عمك الإمارة ؟ فقال : لا والله ، ولكني كرهت أن أنازع القوم حقهم .
ولما رأت
الأوس ما صنع
بشير وما تطلب
الخزرج من تأمير
سعد - قال بعضهم
[ ص: 192 ] لبعض ، وفيهم
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير ، وكان نقيبا : والله لئن وليتها
الخزرج مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا
أبا بكر . فبايعوه ، فانكسر على
سعد والخزرج ما أجمعوا عليه ، وأقبل الناس يبايعون
أبا بكر من كل جانب .
ثم تحول
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة إلى داره فبقي أياما ، وأرسل إليه ليبايع ، فإن الناس قد بايعوا ، فقال : لا والله ، حتى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي ، وأضرب بسيفي ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني ، ولو اجتمع معكم الجن والأنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي . فقال
عمر : لا تدعه حتى يبايع . فقال
بشير بن سعد : إنه قد لج وأبى ، ولا يبايعكم حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته ، ولا يضركم تركه ، وإنما هو رجل واحد . فتركوه .
وجاءت
أسلم فبايعت ، فقوي
أبو بكر بهم ، وبايع الناس بعد .
قيل إن
عمر بن حريث قال
nindex.php?page=showalam&ids=85لسعيد بن زيد : متى بويع
أبو بكر ؟ قال : يوم مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : بقي
علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا
أبا بكر حتى ماتت
فاطمة - رضي الله عنها - فبايعوه .
فلما كان الغد من بيعة
أبي بكر جلس على المنبر وبايعه الناس بيعة عامة ، ثم تكلم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه ، والقوي ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق ، إن شاء الله تعالى ، لا يدع أحد منكم الجهاد ، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم - رحمكم الله - .
(
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير بضم الهمزة ، وبالحاء المهملة المضمومة ، وبالضاد المعجمة ، وآخره راء ) .
[ ص: 187 ] nindex.php?page=treesubj&link=31156_31185_33696حَدِيثُ السَّقِيفَةِ وَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ -
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَمَعَ
الْأَنْصَارُ فِي
سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِيُبَايِعُوا
nindex.php?page=showalam&ids=228سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
أَبَا بَكْرٍ ، فَأَتَاهُمْ وَمَعَهُ
عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=5وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : مِنَّا أَمِيرٌ ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ . فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : مِنَّا الْأُمَرَاءُ ، وَمِنْكُمُ الْوُزَرَاءُ . ثُمَّ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ
عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ . فَقَالَ
عُمَرُ : أَيُّكُمْ يَطِيبُ نَفْسًا أَنْ يَخْلُفَ قَدَمَيْنِ قَدَّمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ فَبَايَعَهُ
عُمَرُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ . فَقَالَتِ
الْأَنْصَارُ أَوْ بَعْضُ
الْأَنْصَارِ : لَا نُبَايِعُ إِلَّا
عَلِيًّا . قَالَ : وَتَخَلَّفَ
عَلِيٌّ ،
وَبَنُو هَاشِمٍ ،
وَالزُّبَيْرُ ،
وَطَلْحَةُ - عَنِ الْبَيْعَةِ . وَقَالَ
الزُّبَيْرُ : لَا أُغْمِدُ سَيْفًا حَتَّى يُبَايَعَ
عَلِيٌّ . فَقَالَ
عُمَرُ : خُذُوا سَيْفَهُ وَاضْرِبُوا بِهِ الْحَجَرَ ، ثُمَّ أَتَاهُمْ
عُمَرُ ، فَأَخَذَهُمْ لِلْبَيْعَةِ .
وَقِيلَ : لَمَّا سَمِعَ
عَلِيٌّ بَيْعَةَ
أَبِي بَكْرٍ خَرَجَ فِي قَمِيصٍ مَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَا رِدَاءٌ عَجِلًا ، حَتَّى بَايَعَهُ ، ثُمَّ اسْتَدْعَى إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ فَتَجَلَّلَهُ .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَايَعَ إِلَّا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقِيلَ : لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى بَيْعَةِ
أَبِي بَكْرٍ أَقْبَلَ
أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ : إِنِّي لَأَرَى عَجَاجَةً لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا دَمٌ ! يَا آلَ
عَبْدِ مَنَافٍ ، فِيمَ
أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمُورِكُمْ ؟ أَيْنَ الْمُسْتَضْعَفَانِ ؟ أَيْنَ الْأَذَلَّانِ
عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ ؟ مَا بَالُ هَذَا الْأَمْرِ فِي أَقَلِّ حَيٍّ مِنْ
قُرَيْشٍ ؟ ثُمَّ قَالَ
لَعَلِيٍّ : ابْسُطْ
[ ص: 188 ] يَدَكَ أُبَايِعْكَ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلًا وَرَجْلًا . فَأَبَى
عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ الْمُتَلَمِّسِ :
وَلَنْ يُقِيمَ عَلَى خَسْفٍ يُرَادُ بِهِ إِلَّا الْأَذَلَّانِ عَيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَعْكُوسٌ بِرُمَّتِهِ
وَذَا يُشَجُّ فَلَا يَبْكِي لَهُ أَحَدُ
فَزَجَرَهُ
عَلِيٌّ وَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّكَ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا إِلَّا الْفِتْنَةَ ، وَإِنَّكَ وَاللَّهِ طَالَمَا بَغَيْتَ لِلْإِسْلَامِ شَرًّا ! لَا حَاجَةَ لَنَا فِي نَصِيحَتِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كُنْتُ أُقْرِئُ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الْقُرْآنَ ، فَحَجَّ
عُمَرُ وَحَجَجْنَا مَعَهُ ، فَقَالَ لِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ : شَهِدْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ
بِمِنًى ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ : لَوْ مَاتَ
عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلَانًا ، فَقَالَ
عُمَرُ : إِنِّي لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ أُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْتَصِبُوا النَّاسَ أَمْرَهُمْ . قَالَ : فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ ، وَأَخَافُ أَنْ تَقُولَ مَقَالَةً لَا يَعُوهَا وَلَا يَحْفَظُوهَا وَيَطَّيَّرُوا بِهَا ، وَلَكِنْ أَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ
الْمَدِينَةِ ، وَتَخْلُصَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَقُولَ مَا قُلْتَ ، فَيَعُوا مَقَالَتَكَ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ بِهَا أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ
بِالْمَدِينَةِ .
قَالَ : فَلَمَّا قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ هَجَرْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَلَمَّا جَلَسَ
عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرَّجْمَ وَمَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهِ : إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ : لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَايَعْتُ فُلَانًا ، فَلَا يَغُرَّنَّ امْرَأً أَنْ يَقُولَ : إِنَّ بَيْعَةَ
أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فِتْنَةً ، فَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا ، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ
أَبِي بَكْرٍ ، وَإِنَّهُ كَانَ خَيْرَنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ
عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا فِي بَيْتِ
فَاطِمَةَ ، وَتَخَلَّفَ عَنَّا
الْأَنْصَارُ ، وَاجْتَمَعَ
الْمُهَاجِرُونَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ
الْأَنْصَارِ ، فَانْطَلَقْنَا نَحْوَهُمْ ، فَلَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِنَ
الْأَنْصَارِ ، أَحَدُهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=174عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ ، وَالثَّانِي
nindex.php?page=showalam&ids=8131مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ ، فَقَالَا
[ ص: 189 ] لَنَا : ارْجِعُوا اقْضُوا أَمْرَكُمْ بَيْنَكُمْ . قَالَ : فَأَتَيْنَا
الْأَنْصَارَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي
سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَبَيْنَ أَظْهُرِهُمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا :
nindex.php?page=showalam&ids=228سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَجِعٌ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَنَحْنُ
الْأَنْصَارُ ، وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ رَهْطٌ بَيْنَنَا ، وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْنَا دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُونَا الْأَمْرَ . فَلَمَّا سَكَتَ وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً أَقُولُهَا بَيْنَ يَدَيْ
أَبِي بَكْرٍ ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : عَلَى رِسْلِكَ ! فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَمَا تَرَكَ شَيْئًا كُنْتُ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي إِلَّا جَاءَ بِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ ، وَقَالَ : يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، إِنَّكُمْ لَا تَذْكُرُونَ فَضْلًا إِلَّا وَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ ، وَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا
لِقُرَيْشٍ ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَنَسَبًا ، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ . وَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=5أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كَرِهْتُ مِنْ كَلَامِهِ كَلِمَةً غَيْرَهَا ، إِنْ كُنْتُ أُقَدَّمُ فَتُضْرَبُ عُنُقِي فِيمَا لَا يُقَرِّبُنِي إِلَى إِثْمٍ ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ
أَبُو بَكْرٍ .
فَلَمَّا قَضَى
أَبُو بَكْرٍ كَلَامَهُ قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ . وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَاللَّغَطُ ، فَلَمَّا خِفْتُ الِاخْتِلَافَ قُلْتُ
لِأَبِي بَكْرٍ : ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ ، ثُمَّ نَزَوْنَا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=228سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ : قَتَلْتُمْ
سَعْدًا . فَقُلْتُ : قَتَلَ اللَّهُ
سَعْدًا . وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا أَمْرًا هُوَ أَقْوَى مِنْ بَيْعَةِ
أَبِي بَكْرٍ ، خَشِيتُ إِنْ فَارَقْتُ الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً ، فَإِمَّا أَنْ نُتَابِعَهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى بِهِ ، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونُ فَسَادًا .
وَقَالَ
أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ : لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَمَعَتِ
الْأَنْصَارُ فِي
سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَأَخْرَجُوا
nindex.php?page=showalam&ids=228سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِيُوَلُّوهُ الْأَمْرَ ، وَكَانَ مَرِيضًا فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ : يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، لَكُمْ سَابِقَةٌ وَفَضِيلَةٌ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ ، إِنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِثَ فِي
[ ص: 190 ] قَوْمِهِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَدْعُوهُمْ ، فَمَا آمَنَ إِلَّا الْقَلِيلُ ، مَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى مَنْعِهِ وَلَا عَلَى إِعْزَازِ دِينِهِ ، وَلَا عَلَى دَفْعِ ضَيْمٍ ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ بِكُمُ الْفَضِيلَةَ سَاقَ إِلَيْكُمُ الْكَرَامَةَ ، وَرَزَقَكُمُ الْإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَالْمَنْعَ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ ، وَالْإِعْزَازَ لَهُ وَلِدِينِهِ ، وَالْجِهَادَ لِأَعْدَائِهِ ، فَكُنْتُمْ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى عَدُوِّهِ حَتَّى اسْتَقَامَتِ الْعَرَبُ لِأَمْرِ اللَّهِ طَوْعًا وَكَرْهًا ، وَأَعْطَى الْبَعِيدُ الْمُقَادَةَ صَاغِرًا ، فَدَانَتْ لِرَسُولِهِ بِأَسْيَافِكُمُ الْعَرَبُ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ قَرِيرُ الْعَيْنِ . اسْتَبِدُّوا بِهَذَا الْأَمْرِ دُونَ النَّاسِ ، فَإِنَّهُ لَكُمْ دُونَهُمْ .
فَأَجَابُوهُ بِأَجْمَعِهِمْ : أَنْ قَدْ وُفِّقْتَ وَأَصَبْتَ الرَّأْيَ ، وَنَحْنُ نُوَلِّيكَ هَذَا الْأَمْرَ ، فَإِنَّكَ مَقْنَعٌ وَرِضًا لِلْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ إِنَّهُمْ تَرَادُّوا الْكَلَامَ فَقَالُوا : وَإِنْ أَبَى
الْمُهَاجِرُونَ مِنْ
قُرَيْشٍ ، وَقَالُوا : نَحْنُ
الْمُهَاجِرُونَ وَأَصْحَابُهُ الْأَوَّلُونَ ، وَعَشِيرَتُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ ؟ ! فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : فَإِنَّا نَقُولُ : مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، وَلَنْ نَرْضَى بِدُونِ هَذَا أَبَدًا . فَقَالَ
سَعْدٌ : هَذَا أَوَّلُ الْوَهَنِ .
وَسَمِعَ
عُمَرُ الْخَبَرَ فَأَتَى مَنْزِلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبُو بَكْرٍ فِيهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنِ اخْرُجْ إِلَيَّ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ : إِنِّي مُشْتَغِلٌ . فَقَالَ
عُمَرُ : قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ لَابُدَّ لَكَ مِنْ حُضُورِهِ . فَخَرَجَ إِلَيْهِ ، فَأَعْلَمَهُ الْخَبَرَ ، فَمَضَيَا مُسْرِعِينَ نَحْوَهُمْ وَمَعَهُمَا
أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ
عُمَرُ : فَأَتَيْنَاهُمْ وَقَدْ كُنْتُ زَوَّرْتُ كَلَامًا أَقُولُهُ لَهُمْ ، فَلَمَّا دَنَوْتُ أَقُولُ أَسْكَتَنِي
أَبُو بَكْرٍ ، وَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ فِينَا رَسُولًا شَهِيدًا عَلَى أُمَّتِهِ لِيَعْبُدُوهُ وَيُوَحِّدُوهُ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً شَتَّى مِنْ حَجَرٍ وَخَشَبٍ ، فَعَظُمَ عَلَى الْعَرَبِ أَنْ يَتْرُكُوا دِينَ آبَائِهِمْ . فَخَصَّ اللَّهُ
الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ قَوْمِهِ بِتَصْدِيقِهِ وَالْمُوَاسَاةِ لَهُ ، وَالصَّبْرِ مَعَهُ عَلَى شِدَّةِ أَذَى قَوْمِهِمْ لَهُمْ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُمْ ، وَكُلُّ النَّاسِ لَهُمْ مُخَالِفٌ زَارٍ عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَسْتَوْحِشُوا لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ وَشَنَفِ النَّاسِ لَهُمْ ، فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ ، وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَشِيرَتُهُ ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ ، لَا يُنَازِعُهُمْ إِلَّا ظَالِمٌ ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، مَنْ لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ فِي الدِّينِ وَلَا سَابِقَتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، رَضِيَكُمُ اللَّهُ أَنْصَارًا لِدِينِهِ وَرَسُولِهِ ، وَجَعَلَ إِلَيْكُمْ هِجْرَتَهُ ، فَلَيْسَ بَعْدَ
الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَتِكُمْ ، فَنَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ ، لَا تُفَاوَتُونَ بِمَشُورَةٍ ، وَلَا تُقْضَى دُونَكُمُ الْأُمُورُ .
فَقَامَ
حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، امْلِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْرَكُمْ ،
[ ص: 191 ] فَإِنَّ النَّاسَ فِي ظِلِّكُمْ ، وَلَنْ يَجْتَرِئَ مُجْتَرِئٌ عَلَى خِلَافِكُمْ ، وَلَا يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِكُمْ ، أَنْتُمْ أَهْلُ الْعِزِّ وَأُولُو الْعَدَدِ وَالْمَنْعَةِ وَذَوُو الْبَأْسِ ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ النَّاسُ مَا تَصْنَعُونَ ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيَفْسَدَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ ، أَبَى هَؤُلَاءِ إِلَّا مَا سَمِعْتُمْ ، فَمِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ .
فَقَالَ
عُمَرُ : هَيْهَاتَ ، لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فِي قَرْنٍ ! وَاللَّهِ لَا تَرْضَى الْعَرَبُ أَنْ تُؤَمِّرَكُمْ وَنَبِيُّنَا مِنْ غَيْرِكُمْ ، وَلَا تَمْتَنِعُ الْعَرَبُ أَنْ تُوَلِّيَ أَمْرَهَا مَنْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ فِيهِمْ ، وَلَنَا بِذَلِكَ الْحُجَّةُ الظَّاهِرَةُ ، مَنْ يُنَازِعُنَا سُلْطَانَ
مُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَشِيرَتُهُ ؟ !
فَقَالَ
الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، امْلِكُوا عَلَى أَيْدِيكُمْ ، وَلَا تَسْمَعُوا مَقَالَةَ هَذَا وَأَصْحَابِهِ فَيَذْهَبُوا بِنَصِيبِكُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ ، فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْكُمْ فَأَجْلُوهُمْ عَنْ هَذِهِ الْبِلَادِ ، وَتَوَلُّوا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأُمُورَ ، فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُ بِأَسْيَافِكُمْ دَانَ النَّاسُ لِهَذَا الدِّينِ ، أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ ! أَنَا أَبُو شِبْلٍ فِي عَرِينَةِ الْأَسَدِ ، وَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتُمْ لَنُعِيدَنَّهَا جَذَعَةً .
فَقَالَ
عُمَرُ : إِذًا لَيَقْتُلُكَ اللَّهُ ! فَقَالَ : بَلْ إِيَّاكَ يَقْتُلُ .
فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ نَصَرَ ، فَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ ! فَقَامَ
بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ ، إِنَّا وَاللَّهِ وَإِنْ كُنَّا أُولِي فَضِيلَةٍ فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ ، وَسَابِقَةٍ فِي الدِّينِ ، مَا أَرَدْنَا بِهِ إِلَّا رِضَى رَبِّنَا ، وَطَاعَةَ نَبِيِّنَا ، وَالْكَدْحَ لِأَنْفُسِنَا ، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ نَسْتَطِيلَ عَلَى النَّاسِ بِذَلِكَ ، وَلَا نَبْتَغِيَ بِهِ الدُّنْيَا ، أَلَا إِنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
قُرَيْشٍ ، وَقَوْمُهُ أَوْلَى بِهِ ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَرَانِي اللَّهُ أُنَازِعُهُمْ هَذَا الْأَمْرَ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخَالِفُوهُمْ .
فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : هَذَا
عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَبَايِعُوا . فَقَالَا : وَاللَّهِ لَا نَتَوَلَّى هَذَا الْأَمْرَ عَلَيْكَ ، وَأَنْتَ أَفْضَلُ
الْمُهَاجِرِينَ وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ ، وَهِيَ أَفْضَلُ دِينِ الْمُسْلِمِينَ ، ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ . فَلَمَّا ذَهَبَا يُبَايِعَانِهِ سَبَقَهُمَا
بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ فَبَايَعَهُ ، فَنَادَاهُ
الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : عَقَّتْكَ عَقَاقِ ! أَنَفِسْتَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ الْإِمَارَةَ ؟ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُنَازِعَ الْقَوْمَ حَقَّهُمْ .
وَلَمَّا رَأَتِ
الْأَوْسُ مَا صَنَعَ
بَشِيرٌ وَمَا تَطْلُبُ
الْخَزْرَجُ مِنْ تَأْمِيرِ
سَعْدٍ - قَالَ بَعْضُهُمْ
[ ص: 192 ] لِبَعْضٍ ، وَفِيهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=168أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ، وَكَانَ نَقِيبًا : وَاللَّهِ لَئِنْ وَلِيَتْهَا
الْخَزْرَجُ مَرَّةً لَا زَالَتْ لَهُمْ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ ، وَلَا جَعَلُوا لَكُمْ فِيهَا نَصِيبًا أَبَدًا ، فَقُومُوا فَبَايِعُوا
أَبَا بَكْرٍ . فَبَايَعُوهُ ، فَانْكَسَرَ عَلَى
سَعْدٍ وَالْخَزْرَجِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ
أَبَا بَكْرٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
ثُمَّ تَحَوَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=228سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى دَارِهِ فَبَقِيَ أَيَّامًا ، وَأُرْسِلَ إِلَيْهِ لِيُبَايِعَ ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا ، فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ ، حَتَّى أَرْمِيَكُمْ بِمَا فِي كِنَانَتِي ، وَأَخْضِبَ سِنَانَ رُمْحِي ، وَأَضْرِبَ بِسَيْفِي ، وَأُقَاتِلَكُمْ بِأَهْلِ بَيْتِي وَمَنْ أَطَاعَنِي ، وَلَوِ اجْتَمَعَ مَعَكُمُ الْجِنُّ وَالْأِنْسُ مَا بَايَعْتُكُمْ حَتَّى أُعْرَضَ عَلَى رَبِّي . فَقَالَ
عُمَرُ : لَا تَدْعُهُ حَتَّى يُبَايِعَ . فَقَالَ
بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ : إِنَّهُ قَدْ لَجَّ وَأَبَى ، وَلَا يُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُقْتَلَ ، وَلَيْسَ بِمَقْتُولٍ حَتَّى يُقْتَلَ مَعَهُ أَهْلُهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ عَشِيرَتِهِ ، وَلَا يَضُرُّكُمْ تَرْكُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ . فَتَرَكُوهُ .
وَجَاءَتْ
أَسْلَمُ فَبَايَعَتْ ، فَقَوِيَ
أَبُو بَكْرٍ بِهِمْ ، وَبَايَعَ النَّاسُ بَعْدُ .
قِيلَ إِنَّ
عُمَرَ بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=85لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ : مَتَى بُويِعَ
أَبُو بَكْرٍ ؟ قَالَ : يَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهُوا أَنْ يَبْقُوا بَعْضَ يَوْمٍ وَلَيْسُوا فِي جَمَاعَةٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : بَقِيَ
عَلِيٌّ وَبَنُو هَاشِمٍ وَالزُّبَيْرُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُبَايِعُوا
أَبَا بَكْرٍ حَتَّى مَاتَتْ
فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَبَايَعُوهُ .
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ بَيْعَةِ
أَبِي بَكْرٍ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ بَيْعَةً عَامَّةً ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ وُلِّيتَ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي ، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي ، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ لَهُ حَقَّهُ ، وَالْقَوِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، لَا يَدَعُ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجِهَادَ ، فَإِنَّهُ لَا يَدَعُهُ قَوْمٌ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَإِذَا عَصْيَتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - .
(
nindex.php?page=showalam&ids=168أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ ، وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، وَآخِرُهُ رَاءٌ ) .