الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع ) . هذا المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وسواء أتلفت قدر الثلث أو أكثر أو أقل ، إلا أنه يتسامح في الشيء اليسير الذي لا ينضبط . نص عليه . قال المصنف ، والشارح : هذا ظاهر المذهب . قال الزركشي : هذا اختيار جمهور الأصحاب . وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في الكافي ، والمحرر ، والفروع ، والرعايتين ، وغيرهم . وهو من مفردات المذهب . وعنه إن أتلفت الثلث فصاعدا ، ضمنه البائع . وإلا فلا . اختاره الخلال وجزم به في الروضة . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والتلخيص ، والبلغة ، والحاوي الكبير ، وغيرهم . وعنه : لا جائحة في غير النخل . نص عليه في رواية حنبل . ذكره في الفائق . [ ص: 75 ] واختار الزركشي في شرحه إسقاط الجوائح مجانا . وحمل أحاديثها على أنهم كانوا يبيعونها قبل بدو صلاحها .

تنبيهات

أحدها : قيد ابن عقيل ، وصاحب التلخيص ، وجماعة ، الروايتين بما بعد التخلية . وظاهره : أن قبل التخلية يكون من ضمان البائع ، قولا واحدا . قاله الزركشي . وجزم في الفروع : أن محل الجائحة بعد قبض المشتري وتسليمه . وهو موافق للأول . وقطع به في الرعايتين ، والحاويين . والظاهر : أنه مراد من أطلق . لأنه قبل التحلية ما حصل قبض .

الثاني : أفادنا المصنف بقوله ( رجع على البائع ) صحة البيع . وهو المذهب وعليه الأصحاب . إلا صاحب النهاية . فإنه أبطل العقد . كما لو تلف الكل .

الثالث : على الرواية الثانية وهي التي قلنا فيها : لا يضمن إلا إذا أتلفت الثلث فصاعدا قيل : يعتبر ثلث الثمرة . وهو الصحيح . قدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب والمغني ، والتلخيص ، والبلغة ، والشرح ، والرعايتين ، والحاويين ، وشرح ابن رزين . وقبل : يعتبر قدر الثلث بالقيمة . وقدمه في المحرر ، والنظم ، وتجريد العناية . وأطلقهما الزركشي ، والفائق . وقيل : يعتبر قدر الثلث بالثمن . وأطلقهن في الفروع .

الرابع : على المذهب : يوضع من الثمرة بقدر التالف . نقله أبو الخطاب ، وجزم به في الفروع .

الخامس : لو تعيبت بذلك . ولم تتلف : خير المشتري بين الإمضاء والأرش ، وبين الرد وأخذ الثمن كاملا . قاله الزركشي وغيره . [ ص: 76 ]

فائدة : تختص الجائحة بالثمن . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وكذا ما له أصل يتكرر حمله كقثاء ، وخيار ، وباذنجان ، ونحوها . قاله جماعة . وقدمه في الفروع ، وتقدم لفظه . وقال في القاعدة الثمانين : لو اشترى لقطة ظاهرة من هذه الأصول فتلفت بجائحة قبل القطع . فإن قلنا : حكمها حكم ثمن الشجر فمن مال البائع . وإن قيل : هي كالزرع خرجت على الوجهين في جائحة الزرع وقال القاضي : من شرط الثمن الذي تثبت فيه الجائحة : أن يكون مما يستبقى بعد بدو صلاحه إلى وقت كالنخل ، والكرم ، وما أشبهها وإن كان مما لا تستبقى ثمرته بعد بدو صلاحه كالتين ، والخوخ ، ونحوهما فلا جائحة فيه . قال بعض الأصحاب : وهذا أليق بالمذهب . وعنه لا جائحة في غير النخل . نص عليه في رواية حنبل . كما تقدم . وتقدم اختيار الزركشي . وقال في الكافي ، والمحرر : وتثبت أيضا في الزرع . وذكر القاضي : فيه احتمالين . ذكره الزركشي . وقال في عيون المسائل : إذا تلفت الباقلا . أو الحنطة في سنبلها . قلنا وجهان . الأقوى : يرجع بذلك على البائع . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : ثبوت الجائحة في زرع مستأجر وحانوت نقص نفعه عن العادة . وحكم به أبو الفضل بن حمزة في حمام . وقال الشيخ تقي الدين أيضا : قياس نصوصه وأصوله : إذا تعطل نفع الأرض بآفة . انفسخت الإجارة فيما بقي . كانهدام الدار . وأنه لا جائحة فيما تلف من زرعه . لأن المؤجر لم يبعه إياه . ولا ينازع في هذا من فهمه .

تنبيهان

أحدهما : قوله " بجائحة من السماء " ضابطها : أن لا يكون فيها صنع [ ص: 77 ] لآدمي كالريح والمطر ، والثلج ، والبرد ، والجليد ، والصاعقة ، والحر ، والعطش ، ونحوها كذا الجراد . جزم به الأصحاب .

الثاني : يستثنى من عموم كلام المصنف : ولو اشترى الثمرة مع أصلها . فإنه لا جائحة فيها إذا تلفت . قاله الأصحاب . ويستثنى أيضا : ما إذا أخذها عن وقته المعتاد . فإنه لا يضمنها البائع . والحالة هذه . على الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . وقال القاضي : ظاهر كلام الإمام أحمد : وضعها عمن أخر الأخذ عن وقته . واختاره . وفيه وجه ثالث . يفرق بين حالة العذر وغيره .

فائدة : لو باع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع . ثم تلفت بجائحة . فتارة يتمكن من قطعها قبل تلفها ، وتارة لا يتمكن فإن تمكن من قطعها ولم يقطعها حتى تلفت فلا ضمان على البائع . قاله القاضي في المجرد ، والمجد ، وهو احتمال في التعليق . وقدمه الزركشي . قال في القواعد الفقهية : وهو مصرح به في المغني . وذكره الشارح عن القاضي ، واقتصر عليه . وقال القاضي في التعليق : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله : أنه من ضمان البائع ، اعتمادا على إطلاقه ونظرا إلى أن القبض لم يحصل . قال في الحاوي : يقوى عندي وجوب الضمان على البائع هنا : قولا واحدا . لأن ما شرط فيه القطع . فقبضه : يكون بالقطع والنقل . فإذا تلف قبله يكون كتلف المبيع قبل القبض . انتهى .

وأما إذا لم يتمكن من قطعها حتى تلفت : فإنها من ضمان البائع . قولا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية