الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6657 17 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الزبير بن عدي، قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 185 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 185 ] الترجمة المذكورة هي عين الحديث المذكور في الباب.

                                                                                                                                                                                  ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وسفيان هو ابن عيينة ، والزبير بن عدي الكوفي الهمداني بسكون الميم من صغار التابعين ولي قضاء الري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه الترمذي في الفتن، عن ابن بشار به.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ما نلقى من الحجاج ) هو ابن يوسف الثقفي الأمير المشهور، ويروى: شكونا إليه ما يلقون، فيه التفات.

                                                                                                                                                                                  ووقع في رواية الكشميهني : فشكوا، ووقع عند أبي نعيم : نشكو بنون ومعناه شكوا ما يلقون من ظلمه لهم وتعديه.

                                                                                                                                                                                  وذكر الزبير في الموفقيات من طريق مجالد عن الشعبي ، قال: كان عمر رضي الله تعالى عنه فمن بعده إذا أخذوا العاصي أقاموه للناس ونزعوا عمامته، فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط، ثم زاد مصعب بن الزبير حلق اللحية، فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار، فلما قدم الحجاج قال: هذا كله لعب فقتل بالسيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (اصبروا) ، أي: عليه. وكذا وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فإنه) ، أي: فإن الشأن والحال.

                                                                                                                                                                                  قوله: (زمان) ، وفي رواية عبد الرحمن عام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلا والذي بعده) كذا لأبي ذر بالواو وسقطت في رواية الباقين.

                                                                                                                                                                                  قوله: (شر منه) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر والنسفي أشر، وعليه شرح ابن التين ، يقال: كذا وقع أشر بوزن أفعل، وقد قال الجوهري : فلان شر من فلان، ولا يقال أشر إلا في لغة رديئة.

                                                                                                                                                                                  قلت: إن صحت الرواية بأفعل التفضيل لا يلتفت إلى ما قاله الجوهري وغيره.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: هذا الإطلاق مشكل؛ لأن بعض الأزمنة يكون في الشر دون الذي قبله، وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بعد الحجاج بيسير وقد اشتهر خيرية زمانه، بل قيل: إن الشر اضمحل في زمانه.

                                                                                                                                                                                  قلت: حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب، فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج ، فقال: لا بد للناس من تنفيس، وقيل: إن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني ) ، وهو في الصحيحين.

                                                                                                                                                                                  وقوله: (أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) ، أخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما تقول في زمن عيسى عليه السلام فإنه بعد زمان الدجال ؟ قلت: قال الكرماني : إن المراد بالزمان الزمان الذي يكون بعد عيسى عليه السلام ، أو المراد جنس الزمان الذي فيه الأمراء وإلا فمعلوم من الدين بالضرورة أن زمان النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم لا شر فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى تلقوا ربكم) ، أي: حتى تموتوا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم) ، وفي رواية أبي نعيم : سمعت ذلك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية