الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6551 وقال بعض الناس: لو قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لنقتلن ابنك أو أباك أو ذا رحم محرم لم يسعه ؛ لأن هذا ليس بمضطر ، ثم ناقض فقال: إن قيل له لنقتلن أباك أو ابنك أو لتبيعن هذا العبد أو تقر بدين أو تهب يلزمه في القياس، ولكنا نستحسن ونقول: البيع والهبة وكل عقدة في ذلك باطل، فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل: أراد ببعض الناس الحنفية .

                                                                                                                                                                                  قوله: "لو قيل له" أي قال ظالم لرجل وأراد قتل والده: لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو لنقتلن ابنك" أي أو قال: لنقتلن ابنك إن لم تفعل ما أقول لك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو ذا رحم محرم" أي أو قال لنقتلن ذا رحم محرم لك إن لم تفعل كذا، والمحرم هو من لا يحل نكاحها أبدا لحرمته.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لم يسعه" أي لم يسعه أن يفعل ما أمره به ; لأنه ليس بمضطر في ذلك ; لأن الإكراه إنما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره، وليس له أن يدفع بها معاصي غيره، فإن فعل يأثم، وعند الجمهور لا يأثم، وقال الكرماني : يحتمل أن يقال إنه ليس بمضطر لأنه مخير في أمور متعددة، والتخيير ينافي الإكراه، وقال بعضهم: قوله: في أمور متعددة ليس كذلك، بل الذي يظهر أن (أو) فيه للتنويع لا للتخيير، وأنها أمثلة لا مثال واحد، قلت: ما الذي يظهر أن (أو) فيه للتنويع ؟ بل هي للتخيير ؛ لأنها وقعت بعد الطلب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ثم ناقض " الضمير فيه يرجع إلى بعض الناس. بيان التناقض على زعمه أنهم قالوا بعدم الإكراه في الصورة الأولى، وقالوا به في الصورة الثانية من حيث القياس، ثم قالوا ببطلان البيع ونحوه استحسانا، فقد ناقضوا، إذ يلزم القول بالإكراه، وقد قالوا بعدم الإكراه، قلت: هذه المناقضة ممنوعة ؛ لأن المجتهد يجوز له أن يخالف قياس قوله بالاستحسان، والاستحسان حجة عند الحنفية .

                                                                                                                                                                                  قوله: "فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة" أراد به أن مذهب الحنفية في ذي الرحم بخلاف مذهبهم في الأجنبي، فلو قيل لرجل لتقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن كذا، ففعل لينجيه من القتل لزمه البيع، ولو قيل له ذلك في ذي رحم محرم لم يلزمه ما عقده، قلت: هذا أيضا بطريق الاستحسان، وهو غير خارج عن الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى فيتبعون أحسنه وأما السنة فقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن " ، وقال الكرماني : وما ذكره البخاري من أمثال هذه المباحث غير مناسب لوضع هذا الكتاب، إذ هو خارج عن فنه، قلت: أنكر عليه بعضهم هذا الكلام، فقال للبخاري أسوة بالأئمة الذين سلك طريقهم كالشافعي وأبي ثور والحميدي وأحمد وإسحاق ، فهذه طريقتهم في البحث، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: لم يسلك أحد منهم فيما جمعه من الحديث خاصة هذا المسلك، وإنما ذكروا في مؤلفات مشتملة على الأصول والفروع، وإن ذكر أحد [ ص: 107 ] منهم هذه المباحث في كتب الحديث خاصة، فالكلام عليه أيضا وارد، على أن أحدا لا ينازع أن البخاري لا يساوي الشافعي في الفقه ولا في البحث عن مثل هذه المباحث. .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية