الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : يسن غسل اليد قبل الطعام وبعده : وغسل يد قبل الطعام وبعده ويكره بالمطعوم غير مقيد ( و ) يحسن يعني يسن ويندب ( غسل يد ) أي غسل اليدين إن أراد الأكل ( قبل ) تناول ( الطعام ) لما روى أبو داود والترمذي ، وقال : لا يعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع وقيس يضعف في الحديث عن { سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قرأت في التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بركة الطعام الوضوء قبله ، والوضوء بعده } . قال في الآداب : ذكر هذا الحديث للإمام أحمد رضي الله عنه فقال : ما حدث به إلا قيس بن الربيع ، وهو منكر الحديث ، وقد ضعف قيسا هذا جماعة ووثقه آخرون قال الحافظ المنذري : قيس بن الربيع صدوق وفيه كلام لسوء حفظه [ ص: 129 ] لا يخرج الإسناد عن حد الحسن . قال : وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام .

قال البيهقي ، وكذلك مالك بن أنس كرهه ، وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه واحتج بالحديث يعني حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : { كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ، ثم إنه رجع فأتى الطعام فقيل له : ألا تتوضأ ؟ قال : لم أصل فأتوضأ } رواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه إلا أنهما قالا : فقال { : إنما أمرت بالوضوء إذا قمت للصلاة } انتهى .

وقال ابن مفلح في آدابه : يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده . وعنه يكره قال في المحرر وعنه يكره قبله . قال مالك : لا يستحب غسل اليد للطعام إلا أن يكون على اليد أولا قذر ، أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة .

وقيل للإمام أحمد رضي الله عنه : لم كره سفيان غسل اليدين قبل الطعام ؟ قال : لأنه من زي الأعاجم . قال مهنا ذكرته : ليحيى بن معين فقال : ما أحسن الوضوء قبله وبعده ; ولهذا قال الناظم ( و ) يحسن يعني يسن غسل يد ( بعده ) أي بعد الطعام طلبا للنظافة وللإنقاء من الغمر والزهومة .

فقد روى ابن ماجه ، والبيهقي بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع } . .

وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه } .

الغمر بفتح الغين المعجمة والميم بعدهما راء هو ريح اللحم وزهومته . وروى الترمذي ، والحاكم وصححه ، والبيهقي ، والبغوي ، وقال البغوي حديث حسن .

عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم ، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه } .

وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا [ ص: 130 ] يلومن إلا نفسه } قال الحافظ المنذري : الوضح بفتح الواو والضاد المعجمة جميعا بعدهما حاء مهملة المراد به هنا البرص .

( تنبيهات ) :

( الأول ) : قال الحافظ المنذري ، والعلامة ابن مفلح في الآداب وغيرهما : المراد بالوضوء غسل اليدين لا الوضوء .

قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه : لم نعلم أحدا استحب الوضوء للأكل إلا إذا كان جنبا . قلت : الذي اعتمده المتأخرون من الأصحاب استحبابه ، وقال في الفتاوى المصرية : الوضوء في كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يرد قط إلا وضوء الصلاة ، وإنما ورد بذلك المعنى يعني مرادا به غسل اليدين ، والفم في لغة اليهود .

كما روي { أن سليمان رضي الله عنه قال : يا رسول الله إن في التوراة من بركة الطعام الوضوء قبله فقال من بركة الطعام الوضوء قبله ، والوضوء بعده } فهذا الحديث قد تنوزع في صحته ، وإذا كان صحيحا فقد أجاب سليمان باللغة التي خاطبه بها أعني لغة التوراة والله أعلم .

( الثاني ) : غسل اليدين بعد الطعام مسنون رواية واحدة ، والمعتمد في المذهب وقبله . قال في الإقناع : يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده ، ولو كان على وضوء . وعبارة الغاية : يستحب ، ولو لمتوضئ غسل يديه قبل أكل متقدما به أي بالغسل ربه أي رب الطعام وبعده أي بعد الأكل متأخرا به أي الغسل ربه أي رب الطعام وغسل فمه بعده وأن يتوضأ الجنب قبله .

ومناسبة ابتداء رب الطعام بالغسل قبل الأكل وتأخره بعده ظاهرة ، فإنه يذكرهم الغسل في الابتداء من غير قوله : اغسلوا أيديكم فهذا من تمام المروءة وأما تأخره بعد الأكل لكونه رب الطعام وأضيافه أحق بالإكرام ومن إكرامهم تقديمهم في غسل اليدين عليه . وفي الرعاية يسن غسل يديه وفمه من ثوم وبصل ورائحة كريهة انتهى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية