قلت : وهل يكون الأهلون في ولاة العصبة أو ولاة المال أو والي اليتيم إذا كان من غير عصبة أو والي اليتيمة إذا كان كذلك ، وهل يكون إلى غير من يلي نفسه من الأزواج والزوجات ، أو هل يكون لأحد مع الذي يلي نفسه من الأزواج شرك ؟ فقال : لا شرك للذين أمرهما إليهما من أحد في أمرهما إلا شرك المشورة التي المرء فيها مخير في قبولها وردها ، فأما شرك يمنع به صاحبه شيئا أو يعطيه شيئا ، قال : فلا ، وكذلك الأموال من يلي اليتامى من الرجال والمرأة وهو لا يكون إليهم من ذلك إلا ما إليهم من الطلاق والمخالعة . قلت : فإن كان ممن يلي نفسه من الرجل والمرأة أو من الولاة الذين يجوز أمورهم على من يلوا جعلوا ذلك إلى من لا يجوز أن يكون حكما ؟ فالأهلون إذا اجتمعوا على رجل واحد هل يحكم
قال : لا يجوز .
قلت : ولم وإنما جعل ذلك إليهم ولاة الأمر أو الزوج والزوجة المالكين لأمرهما ؟
قال : لأن ذلك يجري إذا حكم غير أهل الحكومة والرأي ، من وصفت لك وغيرهم ممن يخالف الإسلام كان على غير وجه الإصلاح ، وإنما أراد الله بالحكمين ، وإرادة ولاة العلم الإصلاح بين الزوج وزوجته وبين الزوجة وزوجها ، وأن ذلك يأتي بخاطر أمنها بما لا ينبغي أن يكون فيه الغرر .
قلت : فإذا كان ذلك منهم إلى رجل واحد اجتمعوا عليه ، هل يكون بمنزلة الحكمين لهما جميعا ؟
قال : نعم ، إنما هي من أمورهما التي لو أخذها دون من يحكم فيها كان ذلك لهما جميعا ، فكذلك هي [ ص: 268 ] إلى من جعلاها إليه إذا كان يستأهل أن يكون ممن يجعل ذلك إليه ليس بنصراني ولا بعبد ولا صبي ولا امرأة ولا سفيه فهؤلاء لا يجوز منهم اثنان فكيف واحد ؟
قلت فلو أن بعض من لا يكون ذلك إليه جعل عن ملأ منهما ورضي ففرق بينهما ، هل يمضي ذلك أو يكون مردودا قال : إذا لا يمضي ولا يكون ذلك طلاقا ; لأنهم ليسوا من أهل الحكم واجتهاد الرأي ، ولأن ذلك لم يكن على وجه التمليك - تمليك الطلاق - ويدلك على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكيمها ولا مدخل للزوج في تمليك الطلاق .
قلت : فلو كيف يكون ذلك ؟ وهل يكون ذلك بغير التخليص من المرأة والزوج في تحكيمهما حين يحكمان ؟ قضى الحكمان بغرم على الزوج مع الفرقة أو على المرأة
قال : إذا حكم الزوج والمرأة الحكمين في الفرقة والإمساك فقد حكماهما فيما يصلح ذلك بوجه السداد منهما والاجتهاد ، قال : قال : إن رأيا أن يأخذا من المرأة ويغرماها مما هو مصلح لها ومخرجها من ملك من أضر بها ولا ينبغي أن يأخذا من الزوج شيئا ويطلقاها عليه . مالك
قلت : فهل يكون لهما أن يحكما من الفراق بأكثر مما يخرجانها من يده ؟ وهل يكون إذا أخرجاها بواحدة تكون له فيها رجعة ؟
قال : لا يكون لهما أن يخرجاها من يده بغير طلاق السنة ، وهي واحدة لا رجعة له فيها حكما عليهما فيه بمال أو لم يحكما فيه ; لأن ما فوق واحدة خطأ وليس بالصواب وليس بمصلح لهما أمرا والحكمان إنما يدخلان من أمر الزوج والزوجة فيما يصلح لهما وله جعلا . مالك
قلت : فلو أنهما ؟ اختلفا فطلق أحدهما ولم يطلق الآخر
قال : إذا لا يكون ذلك هناك فراق ; لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه باجتماعها عليه .
قلت : فلو أخرجها أحدهما بغرم تغرمه المرأة وأخرجها الآخر بغير غرم ؟
قال : إذا لا يكون ذلك منهما اجتماعا ; لأنه ليس عليها أن يخرج شيئا بغير اجتماعهما ، ولأنه ليس عليه أن يفارق عليه بغير الذي لم يجتمعا عليه من المال ، فإن شاءت أن تمضي له من المال طوعا منها لا بحكمهما ما سمى عليها أحد الحكمين فقد اجتمعا إذا أمضت المال للزوج على الطلاق لاجتماعهما على الفرقة إذا أبت إعطاء المال ، إنما هو تبع في رد ذلك على الزوج بأن يقول لم يجتمعا لي على المال فيلزمها لي ، ولم يصل إلى ما حكم به منه أحدكما فتنقطع مقالتي ، فإذا أمضت هي ذلك فليس مما يشك أحد أن مما اجتمعا عليه الفراق ، فقد سقط مقال الزوج إذا قبض الذي حكم به أحد الحكمين بطوعها .
قلت : فلو حكم واحد بواحدة وحكم الآخر باثنتين ؟
قال : إذا يكونان مجتمعين من ذلك على الواحدة .
قلت : فلو ؟ طلق واحد اثنتين والآخر ثلاثا
قال : قد اجتمعا على الواحدة فما زاد فهو خطأ ; لأنهما [ ص: 269 ] لم يدخلا بما زاد على الواحدة أمرا يدخلان به صلاحا للمرأة وزوجها إلا والواحدة تجزئ من ذلك ، وكذا لو حكم واحد بواحدة والآخر بالبتة ; لأنهما مجتمعان على الواحدة ، وانظر كلما حكم به أحدهما هو الأكثر مما حكم به صاحبه على أنهما قد اجتمعا منه على ما اصطلحا مما هو صلاح للمرأة وزوجها ، فما فوق ذلك من الطلاق باطل .
قلت : وكذلك لو حكما جميعا واجتمعا على اثنتين أو ثلاث ؟
قال : هو كما وصفت من أنهما لا يدخلان بما زاد على الواحدة لهما صلاحا ، بل قد أدخلا مضرة وقد اجتمعا على الواحدة فلا يلزم الزوج إلا واحدة