الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
6421 - كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل - خ عن ابن عمر ، زاد (حم ت هـ) (وعد نفسك من أهل القبور) - صح) .

التالي السابق


(كن في الدنيا كأنك غريب) أي عش بباطنك عيش الغريب عن وطنه بخروجك عن أوطان عاداتها ومألوفاتها بالزهد في الدنيا والتزود منها للآخرة فإنها الوطن، أي أن الآخرة هي دار القرار، كما أن الغريب حيث حل نازع لوطنه، ومهما نال من الطرف أعدها لوطنه، وكلما قرب مرحلة سره وإن تعوق ساعة ساءه، فلا يتخذ في سفره المساكن [ ص: 52 ] والأصدقاء، بل يجتزئ بالقليل قدر ما يقطع به مساقة عبوره، لأن الإنسان إنما أوجد ليمتحن بالطاعة فيثاب أو بالإثم فيعاقب ليبلوكم أيكم أحسن عملا فهو كعبد أرسله سيده في حاجة، فهو إما غريب، أو عابر سبيل، فحقه أن يبادر لقضائها ثم يعود إلى وطنه، وهذا أصل عظيم في قصر الأمل، وأن لا يتخذ الدنيا وطنا وسكنا، بل يكون فيها على جناح سفر مهيأ للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم، وفيه حث على الزهد والإعراض عن الدنيا. والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بد له من مركب، وزاد، ورفقاء، وطريق يسلكها، فالمركب نفسه، ولا بد من رياضة المركوب ليستقيم للراكب، والزاد التقوى، والرفقاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والصراط المستقيم، وإذا سلك الطريق لم يزل خائفا من القطاع، (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) (أو عابر سبيل) قال الطيبي : الأحسن جعل أو بمعنى بل، شبه الناسك السالك بغريب لا مسكن له يأويه، ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل، لأن الغريب قد يسكن بلد الغربة، وابن السبيل بينه وبين مقصده أودية رديئة ومفاوز مهلكة وقطاع، وشأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة. قال بعض العارفين: الأرواح خلقت قبل الأجساد، ثم أفيضت من عالمها العلوي النوراني فأودعت هذا الجسد الترابي الظلماني، فاجتمعا اجتماع غربة، كل منهما يشير إلى وطنه، ويطير إلى مسكنه، فالبدن أخلد إلى الأرض، والروح بدون السمو لم ترض


راحت مشرقة ورحت مغربا. . . شتان بين مشرق ومغرب



(خ) في الرقاق (عن ابن عمر) بن الخطاب ، (زاد حم د ت هـ (وعد نفسك من أهل القبور)) أي استمر سائرا ولا تفتر، فإن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية، فلا تتنافس في عمارة الدور فعل المستوطن المغرور فيأتيك الموت من غير استعداد، وتقدم على سفر الآخرة بغير زاد، رواه العسكري ، وزاد: (إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك، فإنه لا تدري ما اسمك غدا). قالوا: وذا من جوامع الكلم.




الخدمات العلمية