الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8130 - -مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة (خ) عن أبي موسى .

التالي السابق


(مثل الجليس) على وزن فعيل يقال: جالسته فهو جليسي (الصالح و) مثل (الجليس السوء) الأول (كمثل صاحب) في رواية حامل (المسك) المعروف، وفي رواية أخرى كحامل المسك وهو أعم من أن يكون صاحبه أو لا (و) الثاني كمثل بزيادة الكاف (كير الحداد) بكسر الكاف أصله البناء الذي عليه الرق سمي به الرق مجازا للمجاورة (لا يعدمك) بفتح أوله وثالثه من العدم أي: لا يعدمك إحدى خصلتين أي: لا يعدوك [ ص: 507 ] (من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه) فاعل يعدم مستتر يدل عليه إما أي: لا يعدو أحد الأمرين أو كلمة إما زائدة وتشتريه فاعله بتأويله بمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري ذكره الكرماني وتعقبه البرماوي بأن الظاهر أن الفاعل موصوف تشتري أي: إما شيء تشتريه أو تجد ريحه (وكير الحداد يحرق بيتك أو) ثوبك في رواية ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ولم يذكر البيت وهي أوضح (أو تجد منه ريحا خبيثة) بين به النهي عن مجالسة من يتأذى به دينا أو دنيا والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهما وجواز بيع المسك وطهارته (خ) في البيع (عن أبي موسى) الأشعري ، قال الراغب : نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيرا كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شريرا، قال الحكماء: من صحب خيرا أصاب بركته فجليس أولياء الله لا يشقى وإن كان كلبا ككلب أهل الكهف ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء، قال علي كرم الله وجهه : "لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله"، وقالوا: إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسه بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقا مناسبة لخلق المنظور إليه فإن من دامت رؤيته للمسرور سر أو للمحزون حزن وليس ذلك في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات فالحمل الصعب يصير ذلولا بمقاربة الجمل الذلول والذلول قد ينقلب صعبا بمقارنة الصعاب والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة ولهذا يلتقط أهل الفلاحة الرمم عن الزرع لئلا تفسدها ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ فقد قيل سمي الإنس لأنه يأنس بما يراه خيرا أو شرا .




الخدمات العلمية