الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4824 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه شيئا في حال شركه، من اعتكاف أو صدقة أو شيء مما يوجبه المسلمون لله، ثم أسلم; أن ذلك واجب عليه، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: طاوسا ، وقتادة ، والحسن البصري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق، وجماعة الظاهرية; فإنهم قالوا: إذا أوجب المشرك على نفسه شيئا من اعتكاف أو صدقة أو عتق أو نحو ذلك، ثم أسلم; يجب عليه الوفاء به.

                                                وقال ابن حزم: ومن نذر في حال كفره طاعة لله -عز وجل- ثم أسلم; لزمه الوفاء به.

                                                ثم قال: وروينا عن طاوس: "من نذر في كفره، ثم أسلم، فليوف بنذره".

                                                وعن الحسن وقتادة مثله.

                                                وبهذا يقول الشافعي وأبو سليمان وأصحابهما.

                                                وقال الخطابي: قوله -عليه السلام- لعمر - رضي الله عنه - "ف بنذرك" يدل على تعلق ذمته بما نذره في الجاهلية، وفيه دليل على أنه يؤاخذ بتوابع الأحكام التي كانت مبادئها في حالة الكفر، فلو حلف في الجاهلية وحنث في الإسلام لزمته الكفارة، وهذا أصل الشافعي .

                                                [ ص: 67 ] وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفرائض، مأمورون بالطاعات.

                                                وفيه دليل على أن الاعتكاف جائز بغير صوم; لأنه إنما كان نذر اعتكاف ليلة، والليل ليس بمحل للصوم.

                                                قلت: لا خلاف أن الكفار مخاطبون بالإيمان، ولا خلاف أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات، ولا خلاف أن الخطاب بالمعاملات يتناولهم، ولا خلاف أن الخطاب بالشرائع يتناولهم في حكم المؤاخذة في الآخرة، فأما وجوب الأداء في أحكام الدين فمذهب العراقيين من مشايخنا: أن الخطاب يتناولهم أيضا والأداء واجب عليهم، ومذهب مشايخ ما وراء النهر: أنهم لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات، وقد عرف هذا في موضعه مستقصى.

                                                وأما الاعتكاف هل يشترط فيه الصوم أم لا؟ فإن كان تطوعا فالصوم ليس شرطا فيه، في ظاهر الرواية عن المذهب.

                                                وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه شرط، واختلاف الرواية فيه مبني على اختلاف الرواية في اعتكاف التطوع أنه مقدر بيوم أو غير مقدر، وإن كان الاعتكاف واجبا فلا يصح إلا بالصوم لرواية عائشة - رضي الله عنها -: "لا اعتكاف إلا بالصوم".




                                                الخدمات العلمية