الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4756 4757 4758 4759 4760 4761 4762 ص: وقد روي ذلك عن نفر من أصحاب رسول الله -عليه السلام-.

                                                [ ص: 17 ] حدثنا أبو بشر الرقي ، قال: ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن يسار بن نمير ، قال: قال لي عمر : ( - رضي الله عنه -: "إني أحلف أن لا أعطي أقواما، ثم يبدو لي أن أعطيهم، فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عني عشر مساكين; كل مسكين صاعا من تمر".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن يسار بن نمير ، عن عمر - رضي الله عنه - مثله.

                                                غير أنه قال: " [عشرة] مساكين كل مسكين نصف صاع حنطة، أو صاع تمر".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة ، عن منصور، قال: سمعت أبا وائل ، عن يسار .... فذكر مثله، وزاد: "أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن يسار، مثله.

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا هلال بن يحيى ، قال: ثنا أبو يوسف ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن يسار مثله.

                                                حدثنا ابن أبي عمران ، قال: ثنا بشر بن الوليد وعلي بن صالح ، قالا: ثنا أبو يوسف ، عن ابن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي - رضي الله عنه - في كفارة الأيمان .... فذكر نحوا مما روي عن عمر - رضي الله عنه -.

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حسن بن صالح ، عن مسلم -وهو الأعور- عن مجاهد ، عن ابن عباس في كفارة اليمين، قال: "نصف صاع من حنطة". .

                                                وهذا خلاف ما روينا عن ابن عباس في الفصل الذي قبل هذا.

                                                [ ص: 18 ] فهذا عمر 5 وعلي - رضي الله عنهما - قد جعلا الإطعام في كفارات الأيمان من الحنطة مدين مدين لكل مسكين، ومن الشعير والتمر صاعا صاعا.

                                                فكذلك نقول: كل إطعام في كفارة أو غيرها هذا مقداره على ما أجمع على ذلك في كفارة الأذى، وقد شد ذلك أيضا ما قد بيناه في صدقة الفطر من مقدارها، وما ذكرنا في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بعده.

                                                وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي الإطعام في الكفارات بصاع من تمر أو شعير، ونصف صاع من حنطة، عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-.

                                                وأخرج في ذلك عن ثلاثة من الصحابة، وهم: عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس -رضي الله عنهم-.

                                                أما عن عمر - رضي الله عنه - فأخرجه من خمس طرق صحاح غير أن هلالا في الطريق الخامس قد تكلم فيه:

                                                الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير ، عن سليمان الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن يسار -بفتح الياء آخر الحروف، والسين المهملة- بن نمير -بضم النون- مولى عمر بن الخطاب .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا أبو خالد الأحمر ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن يسار بن نمير قال: قال لي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إني أحلف أن لا أعطي أقواما شيئا، ثم يبدو لي فأعطيهم، فإذا فعلت ذلك، فأطعم عني عشرة مساكين، بين كل مسكينين صاع من بر، أو صاع تمر لكل مسكين".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن بشر بن عمر الزهراني ، عن شعبة ، عن سليمان الأعمش .... إلى آخره.

                                                [ ص: 19 ] وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الأعمش ، عن أبي وائل ، عن يسار بن نمير .... إلى آخره نحوه.

                                                ثم قال البيهقي: هذا شيء كان يراه عمر - رضي الله عنه - فلعله كان يتفضل بما زاد.

                                                قلت: هذا التأويل خلاف الأصل.

                                                الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي، [عن] أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن يسار بن نمير .

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده".

                                                الرابع: عن أبي بكرة بكار أيضا، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن يسار .

                                                الخامس: عن أبي بكرة أيضا، عن هلال بن يحيى الرأي ، عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن يسار بن نمير .... إلى آخره.

                                                وأما عن علي - رضي الله عنه - فأخرجه: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي ، عن بشر بن الوليد الكندي الفقيه أحد الأئمة الحنفية، وثقه الدارقطني .

                                                وعن علي بن صالح بن صالح بن حي الكوفي، كلاهما عن أبي يوسف ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة الجملي الكوفي ، عن عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- عن علي - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي قال: "كفارة اليمين إطعام عشرة [ ص: 20 ] مساكين، لكل مسكين نصف صاع".

                                                وأما عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:

                                                فأخرجه عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري ، عن حسن بن صالح بن حي الكوفي العابد ، عن مسلم بن كيسان البراد الكوفي الأعور، قال يحيى: لا شيء. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وعن النسائي: متروك. وقال أبو داود: ليس بشيء.

                                                وهو يروي عن مجاهد ، عن ابن عباس .

                                                قوله: "وهذا خلاف ما روينا عن ابن عباس في الفصل الذي قبل هذا".

                                                أراد به ما رواه في حجج أهل المقالة الأولى: عن يونس ، عن ابن وهب ، عن يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن أبي جعفر ، عن ابن عباس: "أنه كان يقول في كفارات الأيمان: إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد بيضاء".

                                                فهذا يخالف ما رواه عنه مجاهد [عنه] فسقط الاحتجاج به لأهل المقالة الأولى.

                                                فإن قيل: كيف يعارضه ما رواه مجاهد، وهو ضعيف لما قلنا؟

                                                قلت: فكذلك ذاك لأن أبا جعفر لا يدرى حاله، ومع هذا يكفينا ما روي عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- ولا سيما قد شد ذلك وأيده بما رواه في باب صدقة الفطر في بيان مقدار ذلك، وما ذكره هناك مما روي عن النبي -عليه السلام- وعن أصحابه من بعده.




                                                الخدمات العلمية