الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5045 5046 ص: والنظر عندنا شاهد لذلك أيضا، وذلك أنا رأينا الحربي دمه حلال وماله حلال، فإذا صار ذميا حرم دمه وماله كحرمة دم المسلم ومال المسلم، ثم رأينا من سرق من مال الذمي -ما يجب فيه القطع- قطع كما يقطع في مال المسلم، فلما كانت العقوبات في انتهاك المال الذي قد حرم بالذمة كالعقوبات في انتهاك المال الذي حرم بالإسلام; كان في النظر أيضا أن تكون العقوبة في الدم الذي قد حرم بالذمة كالعقوبة في الدم الذي حرم بالإسلام.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي القياس عندنا شاهد لما ذكرنا من أن المسلم يقتل بالذمي، وبينه بقوله: "وذلك أنا رأينا...." إلى آخره، وهو ظاهر.

                                                وقد اعترض ابن حزم على قوله: "ثم رأينا من سرق من مال الذمي...." إلى آخره، فقال: هذا قياس فاسد؛ لأن القصاص للمسلم من الذمي حق للذمي عندهم، له طلبه، وله تركه والعفو عنه، وليس كذلك القطع في السرقة; لأن القطع فيها ليس هو من حقوق المسروق منه المال ولا له طلبه دون غيره، ولا له العفو عنه، إنما هو حق الله -عز وجل- أمر به، شاء المسروق منه أو أبى، فلا سبيل فيه للذمي على المسلم أصلا.

                                                قلت: ليس القياس المذكور من الوجه الذي فهمه ابن حزم، وإنما هو من وجه آخر، وهو استواء العقوبة في الدم الذي قد حرم بعقد الذمة بالعقوبة في الدم الذي قد حرم بالإسلام؛ قياسا على استواء العقوبة في انتهاك المال الذي قد [ ص: 360 ] حرم بعقد الذمة بالعقوبة في انتهاك المال الذي قد حرم بالإسلام، ولا شك أن دم الرجل وماله في الحرمة سواء، على أن القطع في السرقة وإن كان من حقوق الله تعالى، ولكنه لا يظهر إلا من جهة المسروق منه.




                                                الخدمات العلمية