الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4854 4856 ص: قيل له: إن هذا وإن كان قد روي عن علي - رضي الله عنه - كما ذكرنا، فإن غير علي من أصحاب رسول الله -عليه السلام- قد روي عنه في ذلك خلاف ما قد روي عن علي - رضي الله عنه - فمن ذلك:

                                                ما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن أبا واقد الليثي ثم الأشجعي - [ ص: 460 ] وكان من أصحاب رسول الله عليه السلام- قال: "بينما نحن عند عمر - رضي الله عنه - مقدمه الشام بالجابية، أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن امرأتي زنت بغلام، فهي هذه تعترف بذلك، فأرسلني عمر - رضي الله عنه - في رهط إليها لنسألها عن ذلك، فجئتها فإذا هي جارية حديثة السن، فقلت: اللهم أفرج فاها اليوم عما شئت، فسألتها وأخبرتها بالذي قال زوجها، فقالت: صدق، فبلغنا عمر - رضي الله عنه - فأمر برجمها".

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا، حدثه عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي واقد الليثي " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتاه رجل وهو بالشام، ، فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا، فبعث عمر بن الخطاب 5 أبا واقد الليثي إلى امرأته ليسألها عن ذلك، فأتاها وعندها نسوة حولها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب ، - رضي الله عنه - وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله، وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع، فأبت أن تنتزع وثبتت على الاعتراف، فأمر بها عمر ، - رضي الله عنه - فرجمت".

                                                فهذا عمر - رضي الله عنه - بحضرة أصحاب رسول الله -عليه السلام- لم يجلدها قبل رجمه إياها، فهذا خلاف لما فعل علي - رضي الله عنه - بشراحة ، من جلده إياها قبل رجمها، وهو أولى الفعلين عندنا؛ لما قد ذكرنا في هذا الباب. والله أعلم.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عن السؤال المذكور، بيانه أن يقال: إن فعل علي - رضي الله عنه - معارض بفعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وذلك أنه أمر برجم امرأة اعترفت بالزنا ولم يجلدها، وكان ذلك بحضرة الصحابة فلم ينكر عليه أحد منهم، فصار فعل عمر أولى الفعلين؛ لما قد ذكر في هذا الباب من دلالة أحاديث أبي هريرة وزيد بن خالد ، وجابر بن سمرة، على عدم الجمع بين الجلد والرجم، وأنها ناسخة لحديث عبادة بن الصامت مع شهادة القياس الصحيح على عدم الجمع بينهما، على ما مر مستوفى.

                                                ويمكن أن يجاب بوجه آخر: وهو أنه يحتمل أن يكون علي - رضي الله عنه - لم يعلم يإحصان شراحة فجلدها، ثم لما علم أنها محصنة أمر برجمها.

                                                [ ص: 461 ] فإن قيل: قد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيضا أنه جلد ورجم.

                                                فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن ابن سيرين قال: "كان عمر - رضي الله عنه - يرجم ويجلد، وكان علي - رضي الله عنه - يرجم ويجلد".

                                                قلت: الجواب عنه من وجوه:

                                                الأول: أن ابن سيرين لم يدرك عمر - رضي الله عنه - لأن مولده لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فيكون منقطعا.

                                                والثاني: أن قوله: يرجم ويجلد لا يدل على أنه كان يجمع بينهما، فيحتمل أن يكون معناه: يرجم في الثيب، ويجلد في البكر.

                                                والثالث: أن أفعال الصحابة -رضي الله عنهم- إذا تعارضت يرجع إلى نقل النبي -عليه السلام- ولم يثبت عن النبي -عليه السلام- في قضية ماعز أنه جلد ورجم، ولا في تحصينه تلك المرأة التي بعث إليها أنيسا الأسلمي، فكان هذا آخر الفعل من النبي -عليه السلام-.

                                                ثم إنه أخرج أثر عمر بن الخطاب من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي واقد الليثي الصحابي، قيل: اسمه الحارث بن مالك، وقيل: الحارث بن عوف، وقيل: عوف بن الحارث .

                                                الثاني: عن يونس أيضا، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سليمان بن يسار المدني .... إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                [ ص: 462 ] قوله: "بينما" أصله "بين" فزيدت فيه "ما" فصار "بينما" وهو ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ويضاف إلى جملة من فعل وفاعل، ومبتدأ وخبر، ويحتاج إلى جواب يتم المعنى، والأفصح في جوابه أن يكون فيه إذ أو إذا، وهاهنا هكذا وقع الجواب وهو قوله: "أتاه" وكذا الكلام في "بينا".

                                                قوله: "مقدمه الشام" أي وقت قدومه الشام، ومنه قولك: وردت مقدم الحاج، تجعله ظرفا، وهو مصدر، أي وقت قدوم الحاج، وكان قدوم عمر - رضي الله عنه - الشام أربع مرات: مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين.

                                                قال ابن جرير: وفي سنة سبع عشرة قدم عمر بن الخطاب إلى الشام فوصل إلى سرغ في قول ابن إسحاق، وقال سيف: وصل إلى الجابية، وهي مدينة بالشام، والآن هي قرية، ومن أبواب سور الشام باب ينسب إليها، فيقال لها: باب الجابية.

                                                قوله: "في رهط" وهو اسم لما دون العشرة، ليس فيهم امرأة.

                                                قوله: "وجعل يلقنها أشباه ذلك" وفي أكثر نسخ "الموطأ": "وجعل يلقنها أشياء".

                                                قوله: "وثبتت على الاعتراف" وفي بعض نسخ "الموطأ": "وتمت على الاعتراف" والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية