الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5897 5898 5899 5900 ص: وقد روي عن أئمة أصحابه خلاف ذلك أيضا.

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن أبي العوام -يعني عمران بن داور- عن مطر ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير: " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال في الرجل يرتهن الرهن فيضيع، قال: إن كان بأقل ردوا عليه، وإن كان بأفضل فهو أمين في الفضل".

                                                حدثنا نصر بن مرزوق ، قال: ثنا الخصيب بن ناصح ، قال: ثنا يزيد بن هارون ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن محمد بن الحنفية، أن عليا - رضي الله عنه - قال: "إذا رهن الرجل الرجل رهنا، فقال له المعطي: لا أقبله إلا بأكثر مما أعطيك، فضاع رد عليه الفضل، وإن رهنه وهو أكثر مما أعطى بطيب نفس من الراهن فضاع فهو بما فيه".

                                                حدثنا نصر ، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن خلاس، أن عليا - رضي الله عنه - قال: " إذا كان في الرهن فضل فأصابته جائحة فهو بما فيه، وإن لم تصبه جائحة واتهم فإنه يرد الفضل".

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا أبو عمر الحوضي ، قال: ثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، وخلاس بن عمرو ، أن عليا - رضي الله عنه - قال في الرهن: "يترادان الزيادة والنقصان جميعا، فإن أصابته جائحة برئ". .

                                                فهذا عمر 5 وعلي - رضي الله عنهما - قد أجمعا أن الرهن الذي قيمته الدين يضيع بالدين، وإنما اختلافهما فيما زاد من قيمة الرهن على مقدار الدين، فقال عمر - رضي الله عنه - هو أمانة، وقال علي - رضي الله عنه - ما قد رويناه عنه في حديث نصر وأحمد بن داود. .

                                                [ ص: 174 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 174 ] ش: أي خلاف ما ذهب إليه الشافعي -رحمه الله- وهو ما روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - وهما من كبراء الصحابة - رضي الله عنهم -.

                                                أما ما روي عن عمر - رضي الله عنه - فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن أبي العوام عمران بن داور -براء مهملة في آخره- القطان المصري ، عن مطر بن طهمان الوراق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير بن قتادة الجندعي المكي قاضي أهل مكة، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن عمران القطان، نحوه.

                                                فإن قيل: أخرجه البيهقي ثم قال: وهذا ليس بمشهور عن عمر - رضي الله عنه -.

                                                وقال ابن حزم: لم يصح هذا عن عمر - رضي الله عنه - لأنه من رواية عبيد بن عمير ، وعبيد لم يولد إلا بعد موت عمر - رضي الله عنه - أو أدركه صغيرا لم يسمع منه شيئا.

                                                وقال البيهقي أيضا في "الخلافيات": عمران بن داود القطان انفرد به، وأكثر أصحاب الحديث لا يحتجون به.

                                                قلت: أما قول البيهقي: هذا ليس بمشهور عن عمر تسليم منه، وهذا ليس بجرح.

                                                وأما قول ابن حزم: وعبيد لم يولد إلا بعد موت عمر - رضي الله عنه - فغير صحيح، لأن مسلما -رحمه الله- قال: ولد عبيد بن عمير في زمن النبي -عليه السلام-.

                                                حتى قال بعضهم: إنه رأى النبي -عليه السلام- وقال ابن الأثير: ذكر البخاري أنه رأى النبي -عليه السلام- وذكر مسلم أنه ولد على عهد النبي -عليه السلام- وهو معدود في كبار التابعين، فإذا كان الأمر كذلك فكيف ينكر سماعه من عمر - رضي الله عنه -؟!.

                                                [ ص: 175 ] وأما قول البيهقي أيضا: إنه انفرد به عمران القطان فليس بقدح فيه؛ لأن ابن حبان وثقه، والبخاري استشهد به، واحتجت به الأربعة، وأحسن يحيى عليه الثناء، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه.

                                                وأما ما روي عن علي - رضي الله عنه - فأخرجه من ثلاث طرق:

                                                الأول: عن نصر بن مرزوق ، عن الخصيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي ، عن يزيد بن هارون الواسطي ، عن إسرائيل بن يونس ، عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي -بالثاء المثلثة، والعين المهملة- عن محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن وكيع ، عن علي بن صالح ، عن عبد الأعلى بن عامر ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي نحوه.

                                                الثاني: عن نصر بن مرزوق ، عن الخصيب بن ناصح ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن خلاس -بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف اللام- بن عمرو الهجري البصري ، عن علي - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" وفي "الخلافيات": أنا عبد العزيز، ثنا عبد الباقي بن قانع، ثنا علي بن محمد، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن علي - رضي الله عنه - نحوه.

                                                الثالث: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني ، عن أبي عمر حفص بن عمر الحوضي البصري شيخ البخاري وأبي داود ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن الحسن وخلاس، كلاهما عن علي - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن حزم: من طريق الحجاج بن منهال ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن علي - رضي الله عنه - نحوه.

                                                [ ص: 176 ] فإن قيل: قال البيهقي: اختلفت الرواية في ذلك عن علي وذكر يحيى بن معين وغيره أن ما رواه خلاس عن علي أخذه من صحيفة.

                                                قلت: الروايات كلها عن علي متفقة صحيحة على التضمين والاختلاف في كيفيته، وذكر ابن حزم في كتاب الجهاد من "المحلى" أن رواية خلاس عن علي صحيحة، وقال أيضا في كتاب الرهن: أما علي فمختلف عنه في ذلك، وأصح الروايات عنه إسقاط التضمين فيما أصابته جائحة.

                                                فهذا يدل على أن رواياته في هذا صحيحة، غير أن بعضها أصح. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية