الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن قلع سن من لم يثغر فلا قصاص في الحال ولا دية ، لأنها من أسنان اللبن التي جرت العادة بنباتها بعد سقوطها ووجب الانتظار إلى أقصى المدة التي يقول أهل العلم بها من الطب أنها تنبت فيه ، فإن نبتت فلا قصاص فيها ولا دية ، لأن القصاص والدية إنما يجبان فيما يدوم ضرره وعينه ولا يجبان فيما يزول ضرره وشينه كالسن إذا نبتت وكاللطمة إذا آلمت ، لزوال ذلك وعوده إلى المعهود منه ، فإن كان قد خرج مع سن اللبن حين قلعت دم نظر فيه فإن خرج من لحم العمور وجب فيه أرش ، كمن جرح في لحم بدنه فأنهر دمه ، وإن خرج من محل السن المقلوعة ففي وجوب الأرش وجهان حكاها أبو حامد الإسفراييني :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجب فيه أرش كمن لطم فرعف لم يجب فيه أرش .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : فيه الأرش ، لأنه قد قلع بقلعه ما اتصل به من عروق محله ومرابطه فلزمه الأرش ، وعلى مقتضى هذا التعليل يجب عليه الأرش وإن لم يخرج دم لقطع تلك المرابط والعروق .

                                                                                                                                            فإن قيل به كان هذا الوجه الثاني أصح ، وإن لم يقل به كان الوجه الأول أصح ، والقول الثاني عندي أولى .

                                                                                                                                            فإذا ثبت وجوب الانتظار بالسن المقلوعة وقت نباتها لم يخل حال صاحبها من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يعيش إلى ذلك الوقت أو يموت قبله ، فإن عاش إليه لم يخل حال تلك السن المقلوعة من أحد أمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 190 ] إما أن تنبت أو لا تنبت ، فإن لم تنبت وجب فيها القصاص ، فإن عفا عنه فالدية تامة ، لأنه قلع سنا لم تعد فصارت كسن المثغور وإن نبتت فلها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تنبت كأخواتها في القد واللون ، فلا قود فيها ولا دية .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن تنبت أقصر من أخواتها فالظاهر من قصرها أنه من قلع ما قبلها قبل أوانه فصار منسوبا إلى الجاني فيلزمه دية السن بقدر ما نقص من السن العائد ، فإن كان النصف فنصف ديتها ، وإن كان الثلث فثلثها .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن تنبت في قد أخواتها لكنها متغيرة اللون بخضرة أو سواد ، فالظاهر أنه من الجناية ، فيؤخذ الجاني بأرش تغييرها ، وإن مات المقلوع سنه قبل الوقت الذي قدره أهل العلم بالطب لعودها فلا قود فيها ، لأن الظاهر أنه لو بقي لعادت ، والقصاص حد يدرأ بالشبهة .

                                                                                                                                            وأما الدية ففي استحقاقها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يستحق ، لأن قلعها مستحق وعودها مع البقاء متوهم ، فلم يسقط بالظن حكم اليقين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يستحق الدية اعتبارا بالظاهر كما لم يجب القود اعتبارا به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية