الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني من فصلي المسألة : وهو أن يخيط المجروح جرحه فيموت فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يخاط في لحم ميت فلا تأثير لهذه الخياطة : لأنها في اللحم الميت لا تؤلم ، ولا تسري ، فيصير الجارح منفردا بقتله بسراية جرحه فوجب عليه القصاص في النفس ، فإن عفا عنه فجميع الدية مغلظة حالة في ماله ، وعليه الكفارة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يخيط في لحم حي فالخياطة جرح ، والذي عليه جمهور أصحابنا : أنه يجري عليه حكم العمد المحض وعندي أنه يجري عليه حكم عمد الخطأ : لأنه قصد به حفظ الحياة فأفضى به إلى التلف ، فصار عمدا في الفعل ، خطأ في القصد .

                                                                                                                                            فإن قيل : فبهذا فالجارح قد صار قاتلا شريكا لعمد الخطأ ، فسقط عنه القود ، وتجب عليه نصف الدية حالة مغلظة مع الكفارة ، وإن قيل بما عليه الجمهور أن الخياطة عمد محض روعي من تولى الخياطة أو إبرتها فإنه لا يخلو من أحد أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون المجروح تولاها أو أمر بها .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون أبو المجروح تولاها .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون الإمام تولاها أو أمر بها .

                                                                                                                                            والرابع : أن يكون أجنبي تولاها أو أمر بها .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يتولاها المجروح ، ففي وجوب القود على الجارح قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه القود في النفس ، إذا اعتبر في القود خروج النفس عن عمد محض .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا قود عليه إذا اعتبر فيه خروج النفس عن عمد مضمون : لأن عمد المجروح غير مضمون ، وكذلك الحكم لو تولاها من أمره الجارح بها ، ولا يكون [ ص: 51 ] المأمور ضامنا : لأنه فعله عن أمر من يملك التصرف في نفسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية