الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن لم يثغر انتظر به فإن لم تنبت ثم عقلها وإن نبتت فلا عقل لها .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو كما قال ، إذا قلع سن صبي لم يثغر فلا قود في الحال ولا دية ، لأن المعهود من أسنان اللبن أنها تعود بعد السقوط فلم تصر مساوية لسن المثغور التي لا تعود وقد يجوز أن لا تعود سن اللبن إذا قلعت ، وإن كان نادرا ، كما يجوز أن تعود سن المثغور إذا قلعت وإن كان عودها نادرا .

                                                                                                                                            ووجب أن يعتبر في كل واحد منهما حكم الأغلب دون النادر ، وهو أن سن اللبن تعود وسن المثغور لا تعود ، فلذلك وجب الانتظار بسن اللبن حال عودها وإن جاز أن لا تعود ، ولم ينتظر بسن المثغور حال عودها وإن جاز أن تعود ، فإذا كان كذلك لم تخل سن الصبي إذا قلعت من أن يعود نباتها أو لا يعود فإن لم يعد نباتها بعد نبات أخواتها ، وقال أهل العلم : قد تجاوزت مدة نباتها وجب فيها القصاص ، وكمال الدية ، وكانت في حكم سن المثغور ، لأنها سن لم تعد بعد القلع .

                                                                                                                                            وإن عاد نباتها فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعود مساوية لأخواتها في المقدار والمكان فلا دية فيها ولا قود ، فأما الحكومة فإن كان قد جرح محل المقلوعة حتى أدماه لزمته حكومة جرحه ، وإن لم يجرحه ففي حكومة المقلوعة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا حكومة فيها ، لأنها تسقط لو لم تقلع .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : فيها حكومة ، لأنه قد أفقده منفعتها .

                                                                                                                                            ولو قيل بوجه ثالث : إنه إن قلعها في زمان سقوطها فلا حكومة فيها ، وإن قلعها قبل زمانها ففيها حكومة كان مذهبا ، لأنها قبل زمان السقوط نافعة وفي زمانه مسلوبة المنفعة .

                                                                                                                                            [ ص: 273 ] والضرب الثاني : أن يعود نباتها مخالفا لنبات أخواتها وهو أن يقاس الثنية بالثنية ، والرباعية بالرباعية ، والناب بالناب ، ولا يقاس ثنية برباعية ، ولا ناب ، ويقاس سفلى بسفلى ، ولا يقاس عليا بسفلى ، وإذا كان كذلك لم يخل حال اختلافهما من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يختلف في المقدار ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تعود أطول من أختها فلا شيء عليه في زيادة طولها وإن شان أو ضر ، لأن الزيادة لا تكون من جناية ، لأن الجناية نقص لا زيادة ، وكذلك نبت معها سن زائدة .

                                                                                                                                            والثاني : أن تعود أقصر من أختها فعليه من ديتها بقدر ما نقص من نباتها ، لحدوثه في الأغلب عن جنايته .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يختلف في المحل فنبتت هذه العائدة خارجة عن صف أخواتها أو داخلة ، أو راكبة فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تذهب منافعها بخروجها عن محلها لخلوه وانكشافه ففيها الدية التامة .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون منافعها باقية ، لأنها قد سدت محلها وقامت مقام أختها ، فلا دية فيها ، لكمال منافعها ، وفيها حكومة لقبح بروزها عن محلها .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يختلفا في المنفعة ، فتكون أقل من منفعة أختها مع نباتها في محلها ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : فيها الدية تامة .

                                                                                                                                            والثاني : فيها حكومة ، ولو قيل : تكمل ديتها إن ذهب أكثر منافعها ، وحكومة إن ذهب أقلها كان مذهبا .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يختلف في اللون فتغير لونها مع بياض غيرها ، فإن تغير بصفرة كان فيها حكومة ، وإن تغير بخضرة كانت حكومتها أكثر من حكومة الصفرة ، وإن تغير بسواد فصارت سودا فالصحيح من مذهب الشافعي أن فيها حكومة هي أزيد من حكومة الصفرة والخضرة ، لأن شين السواد أقبح ، وخرج قول آخر أن فيها ديتها تامة ، وسنذكر ذلك في السن إذا اسودت بجنايته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية