الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فصورة مسألتنا أن يوكله في القصاص ، ثم يعفو عنه ويستوفيه الوكيل منه فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعفو بعد اقتصاص الوكيل ، فيكون عفوه باطلا ، لأن عفوه بعد الاستيفاء كعفوه عن دين قد استوفاه وكيله ويكون عفوه بعد القبض باطلا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يعفو قبل أن يقتص الوكيل ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون مسافة الوكيل أبعد من زمان العفو مثل أن يكون الوكيل على مسافة عشرة أيام ، ويعفو الموكل قبل القصاص بخمسة أيام ، فيكون عفوه باطلا لا حكم له كما لو رمى سلاحه على المقتص منه ، ثم عفا عنه قبل وصول السلاح إليه كان عفوه هدرا : لأنه عفو عما لا يمكن استدراكه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون مسافة الوكيل أقصر من زمان العفو ، مثل أن يكون الوكيل على مسافة خمسة أيام ويعفو الموكل قبل اقتصاص الوكيل بعشرة أيام ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعلم الوكيل بعفو موكله قبل القصاص فيبطل حكم الإذن ويصير قاتلا بغير حق ، فيجب عليه القود ، ويكون الموكل على حقه من الدية إن لم يعف عنها على ما قدمناه من شرح القولين .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يعلم الوكيل بعفو الموكل حتى يقتص فلا قود عليه ، لأنه مستصحب حالة إباحة ، فكانت أقوى شبهة في سقوط القود ، وفي وجوب الدية عليه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 114 ] أحدهما : لا دية عليه استصحابا لحال الإباحة كالقود .

                                                                                                                                            والقول الثاني : عليه الدية ، لأنه صادق الحظر بعد الإباحة ، فصار بعمد الخطأ أشبه ، وكالحربي إذا أسلم وقتله من لم يعلم بإسلامه ضمنه بالدية دون القود ، قد أسلم اليمان أبو حذيفة بن اليمان فقتله قوم من المسلمين لم يعلموا بإسلامه فقضى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديته ، ومن هذين القولين خرج أصحابنا بيع الوكيل بعد عزله وقبل علمه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن بيعه باطل لمصادفته حال العزل ، وإن لم يعلم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه صحيح ما لم يعلم بعزله ، ومسألة اختلاف أصحابنا في نسخ الحكم هل يلزم من لم يعلم بالنسخ ، أم لا يلزمه إلا بعد علمه بنسخه : على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يلزم إلا بعد انتشاره والعلم به ، لأن أهل قباء استداروا في صلاتهم إلى الكعبة حين بلغهم تحويل القبلة إليها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن فرض النسخ لازم للكافة مع البلاغ ، وإن لم ينتشر في جميعهم ولا علمه أكثرهم ، لأن حكم الله تعالى على الجماعة واحد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية