الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا وجب قتل الزاني المحصن ، فقتله رجل بغير أمر الإمام .

                                                                                                                                            فقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن القود على قاتله واجب ، لأن ولي قتله هو الإمام ، فإذا تولاه غيره أقيد منه ، كالعامل إذا قتله غير ولي المقتول أقيد به .

                                                                                                                                            وظاهر مذهب الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه : أنه لا قود ، لرواية أبي صالح عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أقتله ؟ أم حتى آتي بأربعة شهداء : فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : لا حتى تأتي بأربعة شهداء كفى بالسيف شا يعني شاهدا هذا فانصرف سعد وهو يقول : والله ، لو وجدته لضربته بالسيف غير مصفح . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار : أما تسمعون ما يقول سيدكم : فقالوا : اعذره يا رسول الله ، فإنه رجل غيور ، وما طلق امراة فتزوجها رجل منا . فموضع الدليل منه أنه أباح قتله بعد البينة .

                                                                                                                                            وروى الشعبي أن رجلا غزا ، واستخلف على امرأته أخاه فأتته امرأة . فقالت له :

                                                                                                                                            أدرك امرأة أخيك ، عندها رجل يحدثها ، فتسور السطح ، فإذا هي تصنع له دجاجة وهو يرتجز ، ويقول :


                                                                                                                                            وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام     أبيت على ترائبها ويمسي
                                                                                                                                            على جرد الأعنة والحزام     كأن مواضع الربلات منها
                                                                                                                                            فئام ينهضون إلى فئام

                                                                                                                                            [ ص: 82 ] فقتله ورمى بجيفته إلى الطريق ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : أنشد الله امرأ عنده علم هذا القتيل إلا أخبرني ، فقام الرجل : فأخبره بما كان فأهدر عمر دمه ، وقال : أبعده الله وسحقه .

                                                                                                                                            وروى سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل الشام يقال له : ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله وقتلها ، فأشكل على معاوية القضاء ، فكتب إلى أبي موسى الأشعري يسأله أن يسأل علي بن أبي طالب - عليه السلام - عنها فسأله فقال : ليست هذه بأرضنا حلفت عليك لتخبرني بها فقال : كتب بها إلي معاوية فقال على : يرضون بحكمنا وينقمون علينا ، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته .

                                                                                                                                            وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : فليضرب على رمته يعني بالسيف قودا .

                                                                                                                                            والثاني : معناه فليسلم برمته حتى يقاد منه .

                                                                                                                                            وأما الجمع بين الزاني والقاتل ، فقد فرق من خالف بينهما بأن على القاتل قودا ودية ، فلم يجز تفويت الدية بالقود ، وليس على الزاني إلا القتل الذي لا تخيير فيه ، والأصح عندي من إطلاق هذين المذهبين أن يقال : إن وجب قتل الزاني بالبينة فلا قود على قاتله لانحتام قتله وإن وجب بإقراره أقيد من قاتله لأن قتله بإقراره غير منحتم لسقوطه عنه برجوعه عن إقراره .

                                                                                                                                            وعلى هذا لو أن محاربا من قطاع الطريق قتل في الحرابة رجلا فللإمام أن ينفرد بقتله دون ولي المقتول ، لما قد تعلق بقتله من حق الله تعالى الذي لا يجوز العفو عنه ، ولولي المقتول أن يقتله بغير إذن الإمام لما تعلق به من حقه الذي لا يجوز أن يمنع منه .

                                                                                                                                            فإن قتله غيرهما من الأجانب فعلى الوجه الأول : يجب عليه القود ، وعلى مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه لا قود عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية