الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في القسم الثاني من أقسام الناسية وهي الناسية لقدر حيضها الذاكرة لوقته ، وإذا قالت المرأة أعلم أن لي من أول كل شهر حيضة لكني ناسية لقدرها فلا أعلم أيوم هي أم خمسة عشر يوما فهذه في حكم المبتدأة في أن تحيض في أول كل شهر حيضة ، وفي قدر ما ترد إليه من أيام الحيض قولان كما ذكرنا في المبتدأة :

                                                                                                                                            أحدها : ترد إلى أقل الحيض يوم وليلة .

                                                                                                                                            والثاني : ترد إلى وسطه ست أو سبع ، وقد مضى توجيه القولين ، وقال أبو حنيفة ترد إلى أكثر الحيض ، وذلك عشرة أيام عنده : لأن ما تجاوزها مختص بالإشكال دون ما حل فيها ، وهذا خطأ : لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي في علم الله ستا أو سبعا " ولأنه لما كانت عادتها معتبرة عند وجودها اقتضى أن تكون عادة غيرها معتبرة عند عدمها ، استدلالا بأقل الحيض وأكثره ، ولأن الاحتياط لفرض الصلاة يقتضي أحد أمرين إما اعتبار اليقين ، وذلك أقل الحيض ، وإما اعتبار الغالب ، وذلك أكثر الحيض فأما اعتبار أكثره فخارج عن الاحتياط : لفرض الصلاة ثم يكون التفريع على القولين على ما مضى في المبتدأة من أن الزمان الذي ردت إليه حيض بيقين ، وما بعده خمسة عشر يوما طهر بيقين وفيما بينهما قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : طهر بيقين .

                                                                                                                                            والثاني : مشكوك فيه فيمتنع الزوج من وطئها ، فيه وجها واحدا : لقرب زمانه ، وهل يمنع من فعل الصلوات المفروضات من المسنونات معها ؟ على ما ذكرنا من الوجهين ، فلو قالت أعلم أن لي في أول كل شهر ثلاثة أيام حيض ، وأشك في الزيادة عليها ، فهذه أيضا على [ ص: 416 ] قولين إن اعتبرنا اليقين في رد هذه إلى ثلاثة أيام وإن اعتبرنا الغالب تلك رددناها إلى ست أو سبع وهكذا لو قالت أتيقن خمسا من أول كل شهر ، وأشك في الزيادة فأحد القولين ترد إلى خمس اعتبارا باليقين ، والثاني ترد إلى ست أو سبع اعتبارا بالغالب ، ولكن لو قالت أتيقن سبعا من أوله ، وأشك في الزيادة ردت إلى السبع على اليقين ، فإذا أهل عليها شهر رمضان وحالها ما وصفنا تركت من أوله صيام القدر الذي ردت إليه وهو من أحد القولين يوم وليلة ، ومن الثاني ست أو سبع ، وصامت بقية الشهر ، واحتسبت منه بما بعد خمسة عشر يوما ، وهو النصف الثاني منه : لأنها فيه طاهر بيقين وهل تحتسب بما بين القدر الذي ردت إليه من أيام الحيض ، وهي الخمسة عشر على قولين إن قيل إنه طهر بيقين ، احتسبت وأعادت صيام الأيام التي ردت إليها لا غير ، وإن قيل إنه طهر مشكوك فيه ، أعادت صيام الخمسة عشر كلها ، وهو النصف الأول من شهر رمضان ، وقضته في اليوم الثاني من شوال وأجزأها : لأنها فيه طاهر بيقين .

                                                                                                                                            فرع : ولو قالت : أعلم أن لي من كل شهر حيضة ، وهي إما في أول الشهر أو في أول النصف الثاني منه ، وأنا ناسية لقدرها ، وفي أي الزمانين هي من الشهر ، فهذه لها طهر ، وليس لها حيض لأنك تنزلها تنزيلين ، فتجعل في أحد التنزيلين حيضها في أول الشهر فتحيضها من أوله يوما وليلة في أحد القولين ، وستا أو سبعا في القول الثاني فتصلي هذا القدر بالوضوء وتغتسل عند تقضيه وهي فيما بعده إلى آخر النصف الأول طاهر إما طهر بيقين في أحد القولين ، أو طهر شك في القول الثاني فهذا أحد التنزيلين .

                                                                                                                                            والتنزيل الثاني : أن تجعل حيضها أول النصف الثاني من الشهر فتحيضها يوما وليلة في أحد القولين وهو السادس عشر وحده وستا أو سبعا في القول الثاني وهي من السادس عشر إلى [ الثالث ] والعشرين ، فتصلي في هذا الزمان بالوضوء : لأنه ليس بحيض متيقن لجواز أن يكون الحيض في النصف الأول ، فإذا مضى هذا القدر اغتسلت في آخره وهي بعده إلى آخر الشهر طاهرا ما طهر بيقين في أحد القولين أو طهر شك في القول الثاني .

                                                                                                                                            فرع : ولو قالت أعلم أن لي في كل شهر حيضة لا أعلم قدرها ولا موضعها من الشهر هل هي أوله أو في وسطه أو في آخره : فهذه ليس لها حيض بيقين ، ولا طهر بيقين ، وحكمها أن تصلي من أول الشهر قدر ما ترد إليه فذلك يوم وليلة في أحد القولين ، وست أو سبع في القول الثاني ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر الشهر ، والكلام مما تحتسب به من صيام شهرها على ما مضى فهذا حكم الناسية لقدر حيضها الذاكرة لوقته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية