الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما إذا كان عدد الجناة أكثر من اثنين كالثلاثة فصاعدا ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون الجناة في الرق أقل من الجناة بعد العتق .

                                                                                                                                            [ ص: 66 ] والثاني : أن يكون الجناة في الرق أكثر من الجناة بعد العتق .

                                                                                                                                            والثالث : أن يتساوى عددهم في الرق ، وبعد العتق .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو إذا كانوا في الرق أقل ، فهو مسألة الكتاب .

                                                                                                                                            وصورتها : أن يقطع حر يده في حال الرق ، ثم يعتق ، فيقطع ثان يده الأخرى ، ويقطع ثالث إحدى رجليه ، وتسري الجنايات الثلاث إلى نفسه فيموت ، فالجاني في حال الرق لا قود عليه في نفس ولا طرف : لأنه جناية حر على عبد .

                                                                                                                                            وأما الجانيان بعد العتق فعليهما القصاص في الطرف ، والقود في النفس ، لأنها جناية حر على حر .

                                                                                                                                            وعند أبي الطيب بن سلمة أنه يقتص من طرفه ، ولا يقاد من نفسه .

                                                                                                                                            وقد رددنا عليه . فأما الدية فعلى الثلاثة دية حر بينهم بالسوية ، مشترك في التزامها الجاني في الرق ، والجانيان بعد العتق .

                                                                                                                                            وهما للسيد منهما قولان منصوصان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا أو ثلث ديته لحر : لأن الجناية في ملكه بقطع يده أوجبت نصف قيمته ، فإن حدث له بالسراية زيادة لم يملكها لزوال ملكه عند وجوبها ، وإن حدث نقصان عاد عليه كما لو جنى عليه جنايات توجب قيما ثم سرت إلى نفسه وجب قيمة واحدة ، وعاد البعض عليه كذلك هاهنا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : للسيد أقل الأمرين من ثلث قيمته عبدا ، أو ثلث ديته حرا : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجنايات إذا صارت نفسا سقط اعتبار أروشها ، كما لو جرحه أحدهما موضحة ، والآخر جائفة ومات كانا في ديته سواء .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما اعتبر أعداد الجناة فيمن يجب عليه الدية ، وجب أن يعتبر أعدادهم فيمن يستحق للدية ، فعلى هذا لو كانت المسألة بحالها ، وجنى عليه رابع بعد العتق وجبت الدية على أربعة بينهم بالسوية .

                                                                                                                                            وفيما للسيد منها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا أو ربع ديته حرا ، اعتبارا بأرش الجناية .

                                                                                                                                            والثاني : له أقل الأمرين من ربع قيمته عبدا ، أو ربع ديته حرا اعتبارا ، ولو كان [ ص: 67 ] مع الرابع خامس لكان له على القول الأول أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا ، أو خمس ديته حرا ، اعتبارا بأرش الجناية .

                                                                                                                                            وله على القول الثاني أقل الأمرين من خمس قيمته عبدا ، أو خمس ديته حرا : اعتبارا بأعداد الجناة .

                                                                                                                                            ولو كان الجاني الأول قطع في الرق إحدى أصابعه ، ثم أعتق ، فقطع ثان بعد العتق يده ، وقطع ثالث رجله ، ثم مات .

                                                                                                                                            ففيما للسيد من الدية قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من عشر قيمته عبدا ، أو ثلث ديته حرا : اعتبارا بأرش الجناية ، لأن في الإصبع عشر القيمة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أقل الأمرين من ثلث قيمته عبدا ، أو ثلث ديته حرا ، اعتبارا بأعداد الجناة .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو أن يكون الجناة في الرق أكثر منهم بعد العتق ، فصورته أن يقطع حر إحدى يديه في الرق ، ثم يقطع ثان إحدى رجليه ، ثم يعتق فيقطع ثالث يده الأخرى ، ثم تسري إلى نفسه فيموت ، فعلى الثلاثة الدية بينهم بالسوية .

                                                                                                                                            وفيما للسيد منها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أقل الأمرين من جميع قيمته عبدا ، أو ثلثي ديته حرا ، اعتبارا بأرش الجناية لأن في إحدى اليدين وإحدى الرجلين قيمته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أقل الأمرين من ثلثي قيمته عبدا أو ثلثي ديته حرا ، اعتبارا بأعداد الجناة : لأن في الرق من الثلاثة اثنين ، وبعد العتق واحدا .

                                                                                                                                            ولو جنى عليه في الرق ثلاثة : قطع أحدهم إحدى يديه ، وقطع الآخر يده الأخرى ، وقطع الثالث إحدى رجليه ، ثم أعتق فقطع رابع بعد العتق رجله الأخرى ، ومات .

                                                                                                                                            ففيما للسيد قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من جميع قيمته عبدا ، أو ثلاثة أرباع ديته حرا اعتبارا بأرش الجناية .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد وجب لجنايات الرق قيمة ونصف ، فهلا أوجبتموها له إذا اعتبرتم أرش الجناية .

                                                                                                                                            قلنا : لأنها إذا صارت نفسا بطل اعتبار ما زاد على القيمة فلذلك سقط حكمهما .

                                                                                                                                            [ ص: 68 ] والقول الثاني : له أقل الأمرين من ثلاثة أرباع قيمته عبدا ، أو ثلاثة أرباع ديته حرا ، اعتبارا بأعداد الجناة .

                                                                                                                                            ولو قطع الأول في الرق إحدى أصابعه ، وقطع ثان إصبعا ثانية ، ثم أعتق ، فقطع ثالث إصبعا ثالثة ، ثم مات ، وجبت عليهم الدية .

                                                                                                                                            وفيما للسيد منها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من خمس قيمته عبدا ، أو ثلثي ديته حرا اعتبارا بأرش الجناية .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أقل الأمرين من ثلثي القيمة ، أو ثلثي الدية اعتبارا بأعداد الجناة .

                                                                                                                                            وأما القسم الثالث : وهو أن يستوي أعداد الجناة في الرق وبعد العتق .

                                                                                                                                            وصورته : أن يقطع إحدى يديه في الرق ، ويقطع ثان يده الأخرى ثم يعتق ، فيقطع ثالث إحدى رجليه ، ويقطع رابع رجله الأخرى ، ثم يموت ، فعليهم الدية ، وفيما للسيد منها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من جميع قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا اعتبارا بأرش الجناية ، لأن في اليدين القيمة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا ، اعتبارا بأعداد الجناة ، لأن في الرق منهم اثنين ، وفي الحرية اثنين .

                                                                                                                                            ولو قطع الأول في الرق إحدى أصابعه ، وقطع الثاني إحدى رجليه ، ثم أعتق ، فقطع الثالث رجله الأخرى ، وقطع الرابع يده الأخرى ومات ، ففيما للسيد منها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أقل الأمرين من ثلاثة أخماس قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا ، اعتبارا بأرش الجناية ، لأن في الإصبع عشر القيمة ، وفي اليد نصفها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا ، اعتبارا بأعداد الجناة ، لأن في الرق منهم اثنين وفي الحرية اثنين .

                                                                                                                                            ولو قطع الأول في الرق إحدى أصابعه ، وقطع الثاني إحدى رجليه ، ثم أعتق فقطع الثالث رجله الأخرى ، وقطع الرابع يده الأخرى ، ومات ففيما للسيد منها قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 69 ] أحدهما : أقل الأمرين من ثلاثة أخماس قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا ، اعتبارا بأرش الجناية ، لأن في الإصبع عشر القيمة وفي الرجل نصفها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : له أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا ، أو نصف ديته حرا ، اعتبارا بأعداد الجناة ، لأن في الرق منهم اثنين وفي الحرية اثنين ، ثم على هذا القياس .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية