الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا كان المقلوع سنه مثغورا فعادت سنه ونبتت ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يصير كغير المثغور إذا عادت سنه بعد قلعها تكون هي الحادثة عن المقلوعة ، فلا يجب فيها قصاص ولا دية ، كما لو جنى على عينه فأذهب ضوءها ثم عاد الضوء كان هو الأول ولم يكن حادثا عن غير ، فلو كان قد تقدم الاقتصاص منها لم يقتص للجاني منها ، لأن المستوفى على وجه القصاص لا يجب فيه القصاص لكن له الدية يرجع بها على المجني عليه لأخذه القصاص من سن لا يستحق فيها القصاص .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن هذه السن الحادثة هبة من الله مستجدة وليست حادثة من المقلوعة ، لأن الظاهر من حال المثغور أن سنه إذا انقلعت لم تعد ، فلا يسقط بعودها قصاص ولا دية ، فيقتص من الجاني وإن عادت من المجني عليه بخلاف من لم يثغر ، لأن سن المثغور لا تعود في غالب العادة ، وسن غير المثغور تعود في الأغلب ، وخالف ضوء العين إذا عاد بعد ذهابه ، لأنه كان مستورا بحائل زال ، فأبصر بالضوء الأول لا بضوء تجدد وهذه سن تجددت فافترقا ، ويتفرع على هذين القولين فرعان :

                                                                                                                                            [ ص: 191 ] أحدهما : أن يقلع رجل سنا فيقتص من سن الجاني بسن المجني عليه ، ثم تعود سن الجاني فتنبت .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن السن العائدة في المثغور هي هبة مستجدة وليست حادثة عن الأولى ، فلا شيء على الجاني بعود سنه من قصاص ولا دية لاستيفاء القصاص منه ، وما حدث بعده هبة من الله تعالى له .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن السن العائدة في المثغور هي الحادثة عن الأولى ، ففي وجوب الاقتصاص منها ثانيا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يقتص منها إذا عادت ثانية كما اقتص منها في الأولى ، وكذلك لو عادت ثالثة ورابعة ، لأنه قد أفقد المجني عليه سنه فوجب أن يقابل بما يفقد سنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا قصاص فيها لاستيفائه منها وأنه جنى دفعة واحدة فلم يجز أن يقتص منه أكثر من دفعة واحدة ، فعلى هذا هل تؤخذ منه ديتها أم لا : على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تؤخذ منه الدية لترك سنه عليه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يؤخذ بالدية كما لم يؤخذ بالقصاص ، لأن لا يجمع بين دية وقصاص .

                                                                                                                                            والفرع الثاني : أن يقتص من سن الجاني بسن المجني عليه ، فتعود سن الجاني وتعود سن المجني عليه ، فلا قصاص هنا من الثانية ولا دية على القولين معا ، لأننا إن قلنا بأن العائدة هبة مستجدة فهي هبة في حق كل واحد منهما ، وإن قلنا إنها حادثة عن الأولى فقد عادت سن كل واحد منهما والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية