فصل : وأما القسم الثالث : وهو فهي مسألة الكتاب فهذا على ضربين : أن يبنيه منتصبا فيميل ثم يسقط بعد ميله
أحدهما : أن يميل إلى داره فلا يضمن ما تلفه به بسقوطه ، لأنه لا يضمن إذا بناه مائلا فكان أولى أن لا يضمن إذا مال .
والضرب الثاني : أن يميل إلى غير ملك ، إما إلى دار جاره ، وإما إلى طريق [ ص: 379 ] سابل ، فقد أرسل الشافعي جوابه في سقوط الضمان وقال : لا شيء عليه ، وعلل بأن الميل حادث من غير فعله ، واختلف أصحابنا في إطلاق هذا الجواب هل هو محمول على ميله إلى غير ملكه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول المزني وأبي سعيد الإصطخري ، وأبي علي الطبري ، وأبي حامد الإسفراييني ، أنه محمول على ميله إلى غير ملكه ، وأنه لا ضمان عليه فيما تلف بسقوطه لأمرين :
أحدهما : أن أصله في ملكه وميله ليس من فعله ، فصار كما لو مال فسقط لوقته وهذا غير مضمون فكذلك إذا ثبت مائلا ثم سقط .
والثاني : أن طيران الشرر من أجيج النار أحظر وضرره أعم وأكثر ، ثم ثبت أنه لو أجج في داره نارا طار شررها لم يضمن ما تلف بها لحدوثه عن سبب مباح ، فوجب إذا بنى حائطا فمال أن لا يضمن ما تلف به ، وسقوط الضمان في الحائط أولى : لأنه لا يقدر على التحرز من ميله ويقدر على التحرز من شرر النار .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أن جواب الشافعي في سقوط الضمان محمول على ميله إلى ملكه ، فأما ميله إلى غير ملكه فموجب للضمان ، وهذا أصح الوجهين عندي وإن كان الأول أشبه بإطلاق جواب الشافعي وإنما وجب به الضمان لأمرين :
أحدهما : أنه يؤخذ بإزالة ميله إذا مال بنفسه كما يؤخذ بإزالته إذا بناه مائلا ، فصار بتركه على ميله مفرطا وببنائه مائلا متعديا ، وهو يضمن بالتفريط كما يضمن بالتعدي فوجب أن يستويا في لزوم الضمان .
والثاني : أنه لو أشرع جناحا من داره أقر عليه وضمن ما تلف به وهو لا يقر على ميل الحائط فكان أولى أن يضمن ما تلف به .