الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو قال لصاحبه : ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا ( قال المزني ) هذا عندي غلط غير مشكل وقياس معناه أن يكون عليه بحصته فلا يلزمه ما لم يضمن ولا يضمن أصحابه ما أراد أن يضمنهم إياه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : أن يلقي متاعه في البحر بشرط الضمان ، فلا يخلو أن يضمنه جميعهم أو أحدهم ، فإن ضمنوه جميعا فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يشتركوا فيه فيقولوا : ألقه وعلينا ضمانه ، فيكون الضمان مقسطا بين جميعهم على أعدادهم ، فإن كانوا عشرة ضمن كل واحد منهم عشر قيمته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن ينفردوا فيه فيقولوا : ألقه وعلى كل واحد منا ضمانه ، فيلزم كل واحد منهم ضمان جميع قيمته ، وإن ضمنه أحدهم لم يخل من أن يضمنه عن نفسه [ ص: 337 ] أو عن جماعتهم ، فإن ضمنه عن نفسه اختص بضمانه وغرمه ، وإن عاد نفعه على جميعهم ، وإن ضمنه عنه وعنهم لم يخل أن يكون بأمرهم أو غير أمرهم ، فإن كان بأمرهم كان ضمانه عنه وعنهم لازما لجميعهم ، وإن كان على وجه الاشتراك كان متقسطا على أعدادهم ، وإن كان على وجه الانفراد لزم جميع الضمان لكل واحد منهم ، وإن ضمن عنه وعنهم بغير أمرهم لم يلزمهم ضمانه عنهم ، لأن الضمان لا يلزم إلا بقول أو فعل ولم يوجد منهم أحدهما ، وأما الضامن فيلزمه ضمان نفسه ، وقدر ما يلزمه من الضمان معتبر بلفظه ، وله فيه ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعبر عنه بلفظ الانفراد فيقول : ألقه وعلى كل واحد منا ضمانه فعليه ضمان جميعه بلفظه وله فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعبر عنه .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يعبر عنه بلفظ الاشتراك فيقول : ألقه وعلى جماعتنا ضمانه ، فعليه من الضمان بقسطه من عددهم .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يعبر عنه بلفظ مطلق فيقول : ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة ، فهي مسألة الكتاب . قال الشافعي : " ضمنه دونهم " فاختلف أصحابنا في مطلق هذا الضمان هل يقتضي حمله على الانفراد أو الاشتراك ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يكون محمولا على الاشتراك فلا يلزمه منه إلا بحصته ، ويكون تأويل قول الشافعي " ضمنه دونهم " محمولا على أصل الضمان دون قدره ، ويكون المزني موافقا للشافعي في حكم الضمان ومخطئا عليه في تأويل كلامه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه محمول على ضمان الانفراد ، ويلزمه ضمان جميع القيمة ، ويكون قول الشافعي " ضمنه دونهم " محمولا على ضمان جميعه ، ويكون المزني مخالفا للشافعي في الحكم مصيبا في تأويل كلامه ، ووجدت لبعض أصحابنا وجها ثالثا أنه إن كان عند ضمانه عنه وعنهم ضمن أن يستخلص ذلك من أموالهم لزمه ضمان جميعه ، وإن لم يضمن استخلاصه من أموالهم لم يضمن إلا قدر حصته ، وأشار إلى هذا الوجه أبو حامد الإسفراييني ، واستشهد عليه بقول الشافعي في الخلع : ولو قال اخلع زوجتك على ألف أصححها لك من مالها لزمه ضمانها ، ولو قال : على ألف في مالها لم يلزمه ضمانها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية