الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : وفي الجراح في غير الوجه والرأس بقدر الشين الباقي بعد التئامه لا يبلغ بها الدية إن كان حرا ولا ثمنه إن كان عبدا ولأنه ليس في الجسد قدر معلوم سوى الجائفة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، لأن ما اقتضاه التعليل المتقدم من تغليظ شجاج الرأس ، والوجه على جراح الجسد يوجب اعتبار حكوماتها بحال الشين بعد الاندمال ، ولا يعتبر فيها أغلظ الأمرين ، وإذا كان كذلك لم يخل حال الجراح في الجسد من أن تكون على عضو أو في البدن ، فإن كانت على عضو اعتبر في حكومتها حال الشين بعد الاندمال ، فقوم سليما وشائنا ، ووجب بقسط ما بينهما من دية الحر وقيمة العبد إلا أن تزيد على دية العضو فينقص منها قدر ما يؤدي الاجتهاد إليه ، وإن كانت على البدن كالظهر والبطن والصدر ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الظاهر من منصوص الشافعي : أنه يعتبر حكومة الشين ما لم تبلغ دية النفس ، فإن بلغها نقص منها ولا اعتبار بدية الجائفة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يعتبر حكومة الشين ما لم تبلغ دية الجائفة ، فإذا بلغها نقص [ ص: 308 ] فيها ما يؤدي الاجتهاد إليه ، لأنها المقدر في جراح الجسد فأشبهت الموضحة في شجاج الرأس ، وقد يمكن أن يفضل بين الموضحة مع ما تقدمها وبين الجائفة مع غيرها أن ما تقدم الموضحة بعض الموضحة فلم يبلغ ديتها ، وغير الجائفة قد لا يكون بعضها لما فيه من كسر عظم وإتلاف لحم ، فجاز أن تزيد حكومتها على ديتها وهو الأصح ، فإن لم يكن للشين بعد اندماله أثر ولا للحكومة فيه قدر ففيه وجهان ذكرناهما من قبل :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج ، تكون هدرا .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : يعتبر ما قبل الاندمال ، ولا يقدر مع حال الألم وإراقة الدم ، فيعتبر ما قبل الاندمال حالا قبل حال حتى يبلغ إلى وقت الجرح وسيلان الدم للضرورة ، كما يلزم في حمل الأمة إذا أعتق بوطء شبهة أن يعتبر قيمته بعد ظهوره لما تقدرت قيمته عند علوقه والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية