مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر . قال جنيت عليه وهو ذاهب البصر
قال الماوردي : قد مضت هذه المسألة ، وذكرنا حكم الأعضاء الظاهرة إذا اختلف الجاني والمجني عليه في سلامتها وعطبها ، والعين من جملة الأعضاء الظاهرة ، فإذا . فقأ رجل عين رجل واختلف الفاقئ والمفقوء
فقال الفاقئ : فقأتها وبصرها ذاهب .
وقال المفقوء : بل كان سليما ، فلا يخلو حال الفاقئ من أن يعترف له بتقدم السلامة أو لا يعترف ، فإن لم يعترف له بها وقال : خلقت ذاهب البصر فالقول قوله مع يمينه ، لأن المفقوء يمكنه إقامة البينة على سلامة بصره ، ففيه قولان : وإن اعترف له بالسلامة المتقدمة وادعى ذهاب بصره قبل جنايته
أحدهما : أن القول قول الفاقئ مع يمينه ، لأن الأصل عدم القود وبراءة الذمة حتى يقيم المفقوء البينة على سلامته عند الجناية .
والقول الثاني : أن القول قول المفقوء مع يمينه ، لأن الأصل بقاؤه على سلامته حتى يقيم الفاقئ البينة على ذهاب بصر ، وأصل هذين القولين اختلاف قوليه في الملفوف إذا قطع ، وقال الجاني : قطعته وكان ميتا .
وقال أولياؤه : كان حيا .
أو هدم على جماعة بيتا وقال : هدمته عليهم وكانوا موتى ، وقال أولياؤهم : كانوا أحياء ، ففيها قولان :
[ ص: 256 ] أحدهما : أن القول قول الجاني مع يمينه ، لأن الأصل عدم القود وبراءة الذمة .
والثاني : أن القول قول الأولياء مع أيمانهم ، لأن الأصل بقاء الحياة .
مسألة . قال الشافعي رضي الله عنه : ويسعها أن تشهد إذا رأته يتبع الشخص بصره ويطرف عنه ويتوقاه وكذلك المعرفة بانبساط اليد والذكر وانقباضهما ، وكذلك المعتوه والصبي ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة حتى يعلم غيرها .
قال الماوردي : وأصل الشهادة أنها لا تصح إلا بأقصى جهات العلم بها ، فإذا شهدوا بسلامة البصر وإن كان مما لا يشاهد فقد يقترن بالشهادة من أمارات العلم به ما لا يعترضه شك ، وهو أن يراه يتبع الشخص ويسلك المعاطف ويتوقى الآبار ، ويقرأ الكتب ، ويتطرف عينه عن الأذى ، فيعلم بهذه الأمارات والدلائل علما لا يدخله شك أنه يبصر ، فجاز أن يشهد له بسلامة بصره ، وهكذا في سلامة اليدين والرجلين إذا رآه يمشي على قدميه ، ويقبض أصابع رجليه ، ويعمل بيديه قبضا وبسطا ، ورفعا ووضعا ، علم بذلك سلامتها من شلل ، فجاز أن يشهد له بالصحة ، وهكذا الذكر وهو من الأعضاء يجوز إذا رآه ينقبض وينبسط أن يشهد له بالسلامة من الشلل ، وذلك بأن يشاهده في إحدى ثلاثة أحوال :
إما حال الصغر قبل تغليظ عورته .
أو يشاهده في الكبر بالاتفاق من غير تعمد لمشاهدته .
أو يكون طبيبا قد دعته الضرورة إلى مشاهدته ، فأما إن تعمد في الكبر للنظر بغير ضرورة فقد فسق ، ولا يقبل للفاسق شهادة ، وكذلك الشهادة للصبي والمعتوه بسلامة أعضائه ، لأنه يستدل عليها بحركات طبعه .
قال الشافعي : ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة . وشهد له شاهدان بها نظرت شهادتهما ، فإن شهدا له بالصحة عند الجناية حكم بها ، ولم يستحلف المجني عليه معها ، لأن البينة تغني عن اليمين فيما تضمنته ، وإن شهدا بالسلامة قبل الجناية ففي سماعها والحكم بها قولان من اختلاف قوليه فيمن علم بتقدم سلامتها هل يحكم فيها عند الجناية بقوله أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : لا يحكم بقوله ، فعلى هذا لا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته .
والقول الثاني : يحكم له بقوله ، فعلى هذا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته ، ثم يستحلف معها على أنه لم يزل على السلامة إلى حين جنايته .