الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : قدر أبو حنيفة الدية من الورق عشرة آلاف درهم ، وعند الشافعي أنها إذا تقدرت كانت اثني عشر ألف درهم ، فقوم الشافعي كل دينار باثني عشر درهما ، وقومه أبو حنيفة بعشرة دراهم استدلالا بقضاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الدية بعشرة آلاف درهم . وبقول علي بن أبي طالب - عليه السلام - : " وددت أن لي بكل عشرة منكم واحدا من بني فراس بن غنم " صرف الدينار بالدراهم ، فدل على أن قيمة الدينار عشرة دراهم ، ولأن الشرع قد قدر في الزكاة والسرقة كل دينار في مقابلة عشرة دراهم ، أما الزكاة فلأن نصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الورق مائتا درهم .

                                                                                                                                            وأما السرقة فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : القطع في دينار أو عشرة دراهم .

                                                                                                                                            ودليلنا ما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية اثني عشر ألف درهم ، وحديث عمرو بن حزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية اثني عشر ألف درهم ، ولأنه قول سبعة من الصحابة أنهم حكموا في الدية باثني عشر ألف درهم منهم الأئمة الأربعة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة رضوان الله عليهم ، ولم يظهر مخالف فكان إجماعا لا يسوغ خلافه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد روي عن عمر أنه قضى في الدية بعشرة آلاف درهم ، قيل : المشهور عنه ما رويناه وقد رواه عمرو بن شعيب وحضر السيرة فيه فكان أثبت نقلا وأصح عملا ، ولو تعارضت عنه الروايتان كان خارجا من خلافهم ووفاقهم ، ولكان قول من عداهم إجماعا منعقدا .

                                                                                                                                            فإن قيل : فتحمل الاثنا عشر ألفا على وزن ستة ، والعشرة آلاف على وزن سبعة ، فيكون وفاقا في القدر وإن كان خلافا في العدد .

                                                                                                                                            قيل : ليس تعرف دراهم الإسلام إلا وزان سبعة ، ولو جاز لكم أن تتأولوه على هذا لجاز لنا أن نقابلكم بمثله فتأول من روى عشرة آلاف درهم على أنها وزن ثمانية ، ومن روى اثني عشر ألفا على أنها وزن سبعة .

                                                                                                                                            [ ص: 230 ] وقولهم : إن الدينار موضوع في الشرع على مقابلة عشرة دراهم في الزكاة والسرقة فليست الزكاة أصلا للدية ، لأن نصاب الإبل فيها خمس ، ونصاب الذهب عشرون مثقالا ، يكون البعير الواحد في مقابلة أربعة دنانير ، والدية من الإبل مائة بعير تقتضي على اعتبار الزكاة أن تكون الدية من الذهب أربعمائة دينار ، وهذا مدفوع بالإجماع ، فكذلك اعتبار نصاب الورق بنصاب الذهب .

                                                                                                                                            وأما السرقة فالحديث فيها مدفوع والنقل مردود فيما ورد فيه فكيف يجعل أصلا لغيره وقد روينا أنه قال : " القطع في ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم " فأما المزني فإنه قال : ورجوعه عن القديم رغبة عنه إلى الجديد وهو أشبه بالسنة يحتمل وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون القديم أشبه بالسنة فيكون اختيارا له .

                                                                                                                                            والثاني : يحتمل أن يكون الجديد أشبه بالسنة فيكون اختيارا له والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية