الوجه السابع: أن فإن كانت صفات فمعلوم أن القرب إلى الصفة لا يكون إلا بالقرب إلى الموصوف نفسه، فلا يمكن أن يقرب العبد إلى ما يقوم بالله من رحمة وإيمان، إلا إذا قرب من نفسه، فأما قربه من صفته القائمة به دون قربه من نفسه فظاهر البطلان والفساد، ولهذا لم يقله أحد من العباد، بل الذي يحيل القرب إلى نفسه [ ص: 198 ] هو: القرب إلى صفاته ابتداء حاله إن كان يثبت له صفة، وإن أراد بما يتقرب العبد إليه عينا قائمة بنفسها غير الله عز وجل، فذلك خلق من خلق الله تعالى، ومن المعلوم أن قوله: ما يدني إليه العبد من الرحمة والإيمان وغير ذلك إما أن تكون أعيانا قائمة بأنفسها أو صفات قائمة بغيرها، «يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف رب» وقوله: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه».
كل ذلك ألفاظ صريحة يعلم من سمعها بالاضطرار أن الذي يدنيه منه ويضع عليه ويقرره بذنوبه ويغفرها له الله عز وجل، لا أحد من خلقه، فكيف يجوز أن يقال: لا يدنو العبد من ربه، وإنما يدنو من بعض مخلوقاته، وهل ذلك إلا بمثابة أن يقال: إن الذي يقرره بذنوبه هو بعض مخلوقاته، كما تقول الجهمية القائلون بأن الله عز وجل لا يقوم به كلام، وإنما الكلام يقوم ببعض مخلوقاته، فهذا مثل هذا، وكلاهما بمنزلة أن يقال: إن الله عز وجل لا يغفر له، وإنما يغفر له بعض مخلوقاته، وهذا يؤول إلى ما يقوله من يقوله من الصابئة المتفلسفة وغيرهم: إن العباد لا يرجعون إلى الله عز وجل، وإنما منتهاهم هو العقل الفعال، ونحو ذلك مما يدعون لها الملائكة، فيجعلون ذلك هو رب العباد الذي إليه يرجعون، كما يزعمون أنه هو ربهم المدبر لهذا العالم. [ ص: 199 ]
وهذا كله مما يعلم بالاضطرار أنه خلاف ما أخبرت به الرسل، وأنه شرك صريح في اتخاذ غير الله إلها وربا.
وأقوال الجهمية تستلزم هذا، ولهذا قال من إني أنا ربك [طه: 12]. مخلوق: كافر، لأنه جعل هذا الكلام قائما بمخلوق يلزم أن يكون هو الرب، وكذلك سائر تأويلاتهم من هذا الجنس. [ ص: 200 ] قال من أئمة السلف: من قال: إن قوله لموسى: