الوجه الرابع والثلاثون: أن يقال له: ما تريد بلفظ الوهم
[ ص: 320 ] والخيال؟ أتريد به ما قد يخص هذا اللفظ به في العرف، من تخيل الباطل وتوهمه؟ فلا ريب أن
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28713كل حق في الوجود، ينزه عن هذا التوهم والتخيل، وكل حق، فإنه على خلاف ما يقضي به هذا الوهم والخيال، وكل حق، فهو على خلاف هذا الوهم والخيال، وما أكثر ما يسمع وصف شيء بألفاظ فيتخيلونه على صورة، فإذا رأوه وجدوه بخلاف ما تخيلوه، وما أكثر ما يتوهم الإنسان في إنسان شيئا، فإذا رآه وجده بخلاف ما توهمه. ولا ريب أن الله على خلاف ما يتخيله ويتوهمه المبطلون من الجهمية وغيرهم، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=181وسلام على المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=182والحمد لله رب العالمين [الصافات: 180-182] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=43سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا [الإسراء: 43] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=22ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين [فصلت: 22-23] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وتظنون بالله الظنونا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=11هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا [الأحزاب: 10-11] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=6ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=12بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا [الفتح: 6-12] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [ ص: 321 ] [الأنبياء: 87] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=13إنه كان في أهله مسرورا nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=14إنه ظن أن لن يحور [الانشقاق: 13-14] وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا [النجم: 28]
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [النجم: 23] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=80أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف: 80].
ولا ريب أن الاعتقادات الفاسدة، مثل اعتقاد الكفار في ربهم، وما يتبعها من الإرادات هي خيالات وأوهام باطلة، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [النور: 39-40] هذا بعد قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم [النور: 35] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [الأنعام: 122].
ولا ريب أن كثيرا من الناس، يتخيل ويتوهم في نفسه صورا باطلة، ويعتقد أن ربه كذلك، كما يعتقد في ربه اعتقادات
[ ص: 322 ] باطلة، ويعتقد أن ربه كذلك.
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28712فالاعتقاد والتوهم، والتخيل الباطل، موجود في جانبي النفي والإثبات، والباطل في جانب النفي أكثر منه في جانب الإثبات; ولهذا يوجد من الجهمية النفاة من يعتقد أن الله هو الوجود المطلق، وأنه وجود الموجودات أنفسها، وأنه بنفسه في كل مكان، وأن وجود الموجودات كلها وجود واحد. ويقولون بوحدة الوجود في الخارج، وأنه عين ذلك الوجود، ونحو ذلك من الاعتقادات، التي يقولون: إنها حصلت لهم بالكشف والمشاهدة، وهي خيالات وأوهام باطلة: إما أن لا يكون لها حقيقة في الخارج، أو يكون لها حقيقة، لكن تكون هي أمر مخلوق، لا تكون هي الخالق سبحانه. وكما يتخيلون ويتوهمون، أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت، ولا كذا ولا كذا، مما هو عند أهل العقول السليمة خيالات باطلة، وأوهام فاسدة، لا تنطبق إلا على المعدوم، بل على الممتنع; ولهذا يوجد في هؤلاء من يعبد المخلوقات، ومن يعتقد في كثير من المخلوقات، أنه الله،
[ ص: 323 ] أضعاف أضعاف ما يوجد في أهل الإثبات، كما قد رأينا وسمعنا من ذلك ما لا يسع هذا المكان ذكر عشره، فلهذا هم أعظم الناس اختيالا وتكبرا، حيث قد يختال أحدهم في نفسه أنه الله ويعظمون فرعون في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24]
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38] ونحو ذلك من الاختيال الباطل، الذي هو أفسد اختيال وأعظم فرية على الله. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وأما إن أراد أنه على خلاف ما يصدق به، ويعتقده ويظنه، ويتوهمه ويتخيله، ويقوله ويصفه، وينعته الأنبياء والمؤمنون به، فهذا باطل، فإن اعتقاد هؤلاء فيه اعتقاد مطابق حق، وإن سمي ظنا ونحوه، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم [البقرة: 45-46] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=19فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة: 19-20]. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=933419«يقول الله: أنا عند ظن [ ص: 324 ] عبدي بي، فليظن بي خيرا» وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=695509«لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى» فمن ظن وتوهم في ربه، أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، كان هذا الظن والتوهم حقا، وإن كان الواجب تيقن ذلك، بخلاف من ظن وحسب، أنه لا يسمع سره ونجواه، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=80أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف: 80] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [ ص: 325 ] [الكهف: 104].
بل لفظ الرؤية، وإن كان في الأصل يكون مطابقا، فقد لا يكون مطابقا كما في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا [فاطر: 8] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يرونهم مثليهم رأي العين [آل عمران: 13].
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يُقَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ بِلَفْظِ الْوَهْمِ
[ ص: 320 ] وَالْخَيَالِ؟ أَتُرِيدُ بِهِ مَا قَدْ يَخُصُّ هَذَا اللَّفْظَ بِهِ فِي الْعُرْفِ، مِنْ تَخَيُّلِ الْبَاطِلِ وَتَوَهُّمِهِ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28713كُلَّ حَقٍّ فِي الْوُجُودِ، يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا التَّوَهُّمِ وَالتَّخَيُّلِ، وَكُلُّ حَقٍّ، فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَقْضِي بِهِ هَذَا الْوَهْمُ وَالْخَيَالُ، وَكُلُّ حَقٍّ، فَهُوَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ، وَمَا أَكْثَرَ مَا يَسْمَعُ وَصْفَ شَيْءٍ بِأَلْفَاظٍ فَيَتَخَيَّلُونَهُ عَلَى صُورَةٍ، فَإِذَا رَأَوْهُ وَجَدُوهُ بِخِلَافِ مَا تَخَيَّلُوهُ، وَمَا أَكْثَرَ مَا يَتَوَهَّمُ الْإِنْسَانُ فِي إِنْسَانٍ شَيْئًا، فَإِذَا رَآهُ وَجَدَهُ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى خِلَافِ مَا يَتَخَيَّلُهُ وَيَتَوَهَّمُهُ الْمُبْطِلُونَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=181وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=182وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصَّافَّاتُ: 180-182] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=43سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا [الْإِسْرَاءُ: 43] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=22وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فُصِّلَتْ: 22-23] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=11هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا [الْأَحْزَابُ: 10-11] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=6وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=12بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا [الْفَتْحُ: 6-12] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [ ص: 321 ] [الْأَنْبِيَاءُ: 87] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=13إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=14إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ [الِانْشِقَاقُ: 13-14] وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النَّجْمُ: 28]
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النَّجْمُ: 23] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=80أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزُّخْرُفُ: 80].
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةَ، مِثْلَ اعْتِقَادِ الْكُفَّارِ فِي رَبِّهِمْ، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الْإِرَادَاتِ هِيَ خَيَالَاتٌ وَأَوْهَامٌ بَاطِلَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النُّورُ: 39-40] هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35نُورٌ عَلَى نُورٌ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النُّورُ: 35] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الْأَنْعَامُ: 122].
وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، يَتَخَيَّلُ وَيَتَوَهَّمُ فِي نَفْسِهِ صُوَرًا بَاطِلَةً، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ رَبَّهُ كَذَلِكَ، كَمَا يَعْتَقِدُ فِي رَبِّهِ اعْتِقَادَاتٍ
[ ص: 322 ] بَاطِلَةً، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ رَبَّهُ كَذَلِكَ.
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28712فَالِاعْتِقَادُ وَالتَّوَهُّمُ، وَالتَّخَيُّلُ الْبَاطِلُ، مَوْجُودٌ فِي جَانِبَيِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْبَاطِلُ فِي جَانِبِ النَّفْيِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ; وَلِهَذَا يُوجَدُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ النُّفَاةِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ، وَأَنَّهُ وُجُودُ الْمَوْجُودَاتِ أَنْفُسِهَا، وَأَنَّهُ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَنَّ وُجُودَ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا وُجُودٌ وَاحِدٌ. وَيَقُولُونَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْوُجُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ، الَّتِي يَقُولُونَ: إِنَّهَا حَصَلَتْ لَهُمْ بِالْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ خَيَالَاتٌ وَأَوْهَامٌ بَاطِلَةٌ: إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ، أَوْ يَكُونَ لَهَا حَقِيقَةٌ، لَكِنْ تَكُونُ هِيَ أَمْرٌ مَخْلُوقٌ، لَا تَكُونُ هِيَ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ. وَكَمَا يَتَخَيَّلُونَ وَيَتَوَهَّمُونَ، أَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا فَوْقَ وَلَا تَحْتَ، وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا، مِمَّا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ خَيَالَاتٌ بَاطِلَةٌ، وَأَوْهَامٌ فَاسِدَةٌ، لَا تَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَى الْمَعْدُومِ، بَلْ عَلَى الْمُمْتَنِعِ; وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يَعْبُدُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، أَنَّهُ اللَّهُ،
[ ص: 323 ] أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، كَمَا قَدْ رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَسَعُ هَذَا الْمَكَانُ ذِكْرَ عُشْرِهِ، فَلِهَذَا هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ اخْتِيَالًا وَتَكَبُّرًا، حَيْثُ قَدْ يَخْتَالُ أَحَدُهُمْ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ اللَّهُ وَيُعَظِّمُونَ فِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النَّازِعَاتُ: 24]
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [الْقَصَصُ: 38] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِيَالِ الْبَاطِلِ، الَّذِي هُوَ أَفْسَدُ اخْتِيَالٍ وَأَعْظَمُ فِرْيَةٍ عَلَى اللَّهِ. تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا يُصَدِّقُ بِهِ، وَيَعْتَقِدُهُ وَيَظُنُّهُ، وَيَتَوَهَّمُهُ وَيَتَخَيَّلُهُ، وَيَقُولُهُ وَيَصِفُهُ، وَيَنْعَتُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ اعْتِقَادَ هَؤُلَاءِ فِيهِ اعْتِقَادٌ مُطَابِقٌ حَقٌّ، وَإِنَّ سُمِّيَ ظَنًّا وَنَحْوَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ [الْبَقَرَةُ: 45-46] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=19فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الْحَاقَّةُ: 19-20]. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=933419«يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ [ ص: 324 ] عَبْدِي بِي، فَلْيُظَنَّ بِي خَيْرًا» وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=695509«لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى» فَمَنْ ظَنَّ وَتَوَهَّمَ فِي رَبِّهِ، أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَانَ هَذَا الظَّنُّ وَالتَّوَهُّمُ حَقًّا، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ تَيَقُّنَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَنْ ظَنَّ وَحَسِبَ، أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ سِرَّهُ وَنَجْوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=80أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزُّخْرُفُ: 80] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [ ص: 325 ] [الْكَهْفُ: 104].
بَلْ لَفْظُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ يَكُونُ مُطَابِقًا، فَقَدْ لَا يَكُونُ مُطَابِقًا كَمَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فَاطِرٌ: 8] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [آلُ عِمْرَانَ: 13].