ومن هنا
nindex.php?page=treesubj&link=28836_29639جعله كثير من الجهمية حالا في كل مكان، وربما جعلوه نفس الوجود القائم بالذوات، أو جعلوه الموجود المطلق، أو نفس الموجودات، وهذا كله مع أنه من أبطل الباطل، وهو تعطيل للصانع، ففيه من إثبات فقره وحاجته إلى العالم ما يجب تنزيه الله عنه، وهؤلاء زعموا أنهم نزهوه عن الحيز والجهة لئلا يكون مفتقرا إلى غيره، فأحوجوه بهذا التنزيه إلى كل شيء، وصرحوا بهذه الحاجة، كما ذكرنا في غير هذا الموضع. فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وقالوا اتخذ الرحمن ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لقد جئتم شيئا إدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أن دعوا للرحمن ولدا [ ص: 352 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=94لقد أحصاهم وعدهم عدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=95وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم: 88-95] ومع هذا فهؤلاء أقرب إلى الإثبات، وإلى العلم من إثبات مباينة لا تعقل بحال، وهو مباينة من قال لا داخل العالم ولا خارجه، فإن هذه ليست كشيء من المباينات المعروفة، التي أدناها مباينة العرض للجسم، أو للعرض بحقيقته; فإن ذاك يقتضي أن يكون أحدهما في الآخر، أو يكون كلاهما في محل واحد، وإذا كان هؤلاء النفاة، لم يثبتوا له مباينة تعقل وتعرف، بين موجودين، علم أنه في موجب قولهم معدوما، كما اتفق سلف الأمة وأئمتها، على أن ذلك حقيقة قول هؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=29639_28713_28712الجهمية، الذين يقولون: إنه ليس فوق العرش، أنهم جعلوه معدوما، ووصفوه بصفة المعدوم.
يدل على ذلك أن هذا
الرازي، جعل مباينته لخلقه، من جنس مباينته للحيز، ولا يجب أن يكون موجودا كما تقدم، فعلم أنهم أثبتوا مباينته للعالم من جنس مباينة الموجود للمعدوم، أو من جنس مباينة المعدوم للمعدوم، والعالم موجود لا ريب فيه; فيكونون قد جعلوه بمنزلة المعدوم. وهذا هي حقيقة قولهم. وإن كانوا قد لا يعلمون ذلك; فإن هذا حال الضالين.
[ ص: 353 ]
وَمِنْ هُنَا
nindex.php?page=treesubj&link=28836_29639جَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ حَالًّا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ نَفْسَ الْوُجُودِ الْقَائِمِ بِالذَّوَاتِ، أَوْ جَعَلُوهُ الْمَوْجُودَ الْمُطْلَقَ، أَوْ نَفْسَ الْمَوْجُودَاتِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ تَعْطِيلٌ لِلصَّانِعِ، فَفِيهِ مِنْ إِثْبَاتِ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ إِلَى الْعَالَمِ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ نَزَّهُوهُ عَنِ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ لِئَلَّا يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَأَحْوَجُوهُ بِهَذَا التَّنْزِيهِ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَصَرَّحُوا بِهَذِهِ الْحَاجَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [ ص: 352 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=94لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=95وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مَرْيَمُ: 88-95] وَمَعَ هَذَا فَهَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِثْبَاتِ، وَإِلَى الْعِلْمِ مِنْ إِثْبَاتِ مُبَايَنَةٍ لَا تُعْقَلُ بِحَالٍ، وَهُوَ مُبَايَنَةُ مَنْ قَالَ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ كَشَيْءٍ مِنَ الْمُبَايَنَاتِ الْمَعْرُوفَةِ، الَّتِي أَدْنَاهَا مُبَايَنَةُ الْعَرَضِ لِلْجِسْمِ، أَوْ لِلْعَرَضِ بِحَقِيقَتِهِ; فَإِنَّ ذَاكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، أَوْ يَكُونَ كِلَاهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ النُّفَاةُ، لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ مُبَايَنَةً تُعْقَلُ وَتُعْرَفُ، بَيْنَ مَوْجُودَيْنِ، عُلِمَ أَنَّهُ فِي مُوجِبِ قَوْلِهِمْ مَعْدُومًا، كَمَا اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=29639_28713_28712الْجَهْمِيَّةِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ، أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مَعْدُومًا، وَوَصَفُوهُ بِصِفَةِ الْمَعْدُومِ.
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا
الرَّازِيَّ، جَعَلَ مُبَايَنَتَهُ لِخَلْقِهِ، مِنْ جِنْسِ مُبَايَنَتِهِ لِلْحَيِّزِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا كَمَا تَقَدَّمَ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مُبَايَنَتَهُ لِلْعَالَمِ مِنْ جِنْسِ مُبَايَنَةِ الْمَوْجُودِ لِلْمَعْدُومِ، أَوْ مِنْ جِنْسِ مُبَايَنَةِ الْمَعْدُومِ لِلْمَعْدُومِ، وَالْعَالَمُ مَوْجُودٌ لَا رَيْبَ فِيهِ; فَيَكُونُونَ قَدْ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ. وَهَذَا هِيَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ. وَإِنْ كَانُوا قَدْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ; فَإِنَّ هَذَا حَالُ الضَّالِّينَ.
[ ص: 353 ]