الوجه الثامن: أن يقال: اصطلاح هؤلاء أجود؛ فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=29620_28716_28713_28712إذا ثبت أن الموجودات تنقسم إلى مفرد ومؤلف أو إلى بسيط ومركب أو إلى واحد وعدد علم أن في الموجودات ما ليس بمركب ولا مؤلف ولا عدد، وهذه المعاني لا يخلو منها شيء من الموجودات؛ فعلم أن هذه المعاني لا تنافي كون الشيء واحدا ومفردا فيما إذا كان مخلوقا، فكيف ينافي كون الخالق واحدا
[ ص: 487 ] فردا غير مركب ولا مؤلف، فهذا الاعتبار المعروف الذي فطر الله عليه عباده.
يوضح هذا أنا قد قدمنا أن اسمه الأحد ينفي أن يكون له مثل في شيء من الأشياء فهو ينفي التشبيه الباطل، واسمه الصمد ينفي أن يجوز عليه التفرق والانقسام وما في ذلك من التركيب والتجسيد، وذلك لأنه سبحانه وصف نفسه بالصمدية كما وصف بالأحدية، وهو سبحانه: :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء [الشورى 11] في جميع صفاته بل هو كامل في جميع نعوته كما لا يشبهه فيها شيء، فهو كامل الصمدية كما أنه كامل الأحدية. والواحد من الخلق قد يوصف بأنه واحد، كما قال:
[ ص: 488 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11وإن كانت واحدة [النساء 11] وكما في :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=11ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر 11] ويوصف بالأحد مقيدا أو مطلقا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=78فخذ أحدنا مكانه [يوسف 78] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وإذا بشر أحدهم بالأنثى [النحل 58]
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص 4] ويوصف أيضا بالصمد، وكما قال
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير: الملائكة صمد والآدميون جوف، وكما قال الشاعر:
[ ص: 489 ] ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وكما قال:
فأنت السيد الصمد
[ ص: 490 ] وكذلك لما في العبد من معنى الوحدة ومعنى الصمدية مع أنه جسم من الأجسام، فعلم أن كون الموجود جسما لا يمنع أن يكون واحدا، وأن يكون أحد الأجسام وأن يكون صمدا مع أن كونه جسما لا يمنع أن يكون حيا عالما قادرا. لكن العبد ليس له الكمال الذي يستحقه الله في شيء من صفاته، وقريب من ذلك، فالله تعالى إذا وصف أنه واحد صمد عالم قادر كان في ذلك على غاية الكمال الذي لا يماثله في شيء منه شيء من الأشياء، لكن إذا كان ما ذكروه من المعاني التي يجعلونها كثرة وعددا وتركيبا ثابتة لكل موجود، وذلك لا يمنع أن يكون المخلوق واحدا؛ فكيف يمتنع ذلك أن يكون الإله الذي ليس كمثله شيء أحدا؟!
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: اصْطِلَاحُ هَؤُلَاءِ أَجْوَدُ؛ فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29620_28716_28713_28712إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ تَنْقَسِمُ إِلَى مُفْرَدٍ وَمُؤَلَّفٍ أَوْ إِلَى بَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ أَوْ إِلَى وَاحِدٍ وَعَدَدٍ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ وَلَا مُؤَلَّفٍ وَلَا عَدَدٍ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا يَخْلُو مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لَا تُنَافِي كَوْنَ الشَّيْءِ وَاحِدًا وَمُفْرَدًا فِيمَا إِذَا كَانَ مَخْلُوقًا، فَكَيْفَ يُنَافِي كَوْنَ الْخَالِقِ وَاحِدًا
[ ص: 487 ] فَرْدًا غَيْرَ مُرَكَّبٍ وَلَا مُؤَلَّفٍ، فَهَذَا الِاعْتِبَارُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ.
يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ اسْمَهُ الْأَحَدَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ يَنْفِي التَّشْبِيهَ الْبَاطِلَ، وَاسْمَهُ الصَّمَدَ يَنْفِي أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهِ التَّفَرُّقُ وَالِانْقِسَامُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّرْكِيبِ وَالتَّجْسِيدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالصَّمَدِيَّةِ كَمَا وَصَفَ بِالْأَحَدِيَّةِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ: :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشُّورَى 11] فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ بَلْ هُوَ كَامِلٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ كَمَا لَا يُشْبِهُهُ فِيهَا شَيْءٌ، فَهُوَ كَامِلُ الصَّمَدِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ كَامِلُ الْأُحْدِيَّةِ. وَالْوَاحِدُ مِنَ الْخَلْقِ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، كَمَا قَالَ:
[ ص: 488 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً [النِّسَاءُ 11] وَكَمَا فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=11ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [الْمُدَّثِّرُ 11] وَيُوصَفُ بِالْأَحَدِ مُقَيَّدًا أَوْ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=78فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ [يُوسُفُ 78] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى [النَّحْلُ 58]
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الْإِخْلَاصُ 4] وَيُوصَفُ أَيْضًا بِالصَّمَدِ، وَكَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: الْمَلَائِكَةَ صُمْدٌ وَالْآدَمِيُّونَ جُوفٌ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[ ص: 489 ] أَلَا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرٍ بَنِي أَسَدْ بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
وَكَمَا قَالَ:
فَأَنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ
[ ص: 490 ] وَكَذَلِكَ لِمَا فِي الْعَبْدِ مِنْ مَعْنَى الْوَحْدَةِ وَمَعْنَى الصَّمَدِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ، فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الْمَوْجُودِ جِسْمًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا، وَأَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْأَجْسَامِ وَأَنْ يَكُونَ صَمَدًا مَعَ أَنَّ كَوْنَهُ جِسْمًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا. لَكِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ الْكَمَالُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، فَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا وُصِفَ أَنَّهُ وَاحِدٌ صَمَدٌ عَالِمٌ قَادِرٌ كَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَايَةِ الْكَمَالُ الَّذِي لَا يُمَاثِلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَجْعَلُونَهَا كَثْرَةً وَعَدَدًا وَتَرْكِيبًا ثَابِتَةً لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ وَاحِدًا؛ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أَحَدًا؟!