وعامة الكفار من هذا النوع، وإن اعتقد أنه صادق فيما يخبر به عن نفسه، ولكنه مخطئ، لاشتباه معنى عليه بمعنى آخر، أو اشتباه لفظ بلفظ، أو غير ذلك، أو لخلل وقع في إدراك حسه وعقله، أو لنوع هوى خالط اعتقاده، فهذا طريقه أن يبين له ما يزيل الاشتباه، حتى يتميز له أن الذي اضطر إليه من العلم ليس هو الذي نوزع فيه، بل هو غيره أو يصلح إدراكه بإزالة الهوى، أو الاعتقاد الفاسد، الذي جعله يظن ما ليس بضروري ضروريا، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون [الأنعام: 110] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [الصف: 5] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا [النساء: 155] وقال تعالى:
[ ص: 57 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [الأعراف: 179] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد: 24] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=16إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم [محمد: 16] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى [فصلت: 44] فالمقصود أن هذا النوع من السفسطة، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28713_29615_29614_29613دعوى العلم الضروري فيما ليس كذلك، بمنزلة إنكار الضروري، فيما هو ضروري، فصاحب هذا إما متعمد للكذب، وإما مخطئ، والخطأ في أسباب العلم: إما لفوات شرط العلم، من فساد قوى الإدراك وضعفها، أو عدم التصور التام لطرفي القضية، التي يحصل العلم بالتصديق عند
[ ص: 58 ] تصور طرفيها، أو لوجود مانع من الأهواء الصادة عن سبيل الله، فإذا كان كذلك فلا تحصل معرفة الحق إلا بوجود شروطه وانتفاء موانعه، وإلا فمع عدم هذين قد تنكر العلوم الضرورية، أو يجعل ما ليس بضروري ضروريا، والمثبتون يقولون للنفاة: أنتم في نفي هذا العلم الضروري، لا تخرجون عن هذه الأقسام، التي لا يخرج عنها مسفسط. والنافون يقولون للمثبتة: بل أنتم المدعون للعلم الضروري مع انتفائه، والمؤسس في مقام بيان أنه ليس عند منازعيه علم ضروري بما ذكروه، وهو لا يمكنه نفي ذلك، وليس فيما ذكره ما ينفي ذلك، فظهر انقطاعه وانقطاع نظرائه معه في أول مقام.
وَعَامَّةُ الْكُفَّارِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَإِنِ اعْتُقِدَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ مُخْطِئٌ، لِاشْتِبَاهِ مَعْنًى عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ، أَوِ اشْتِبَاهِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ لِخَلَلٍ وَقَعَ فِي إِدْرَاكِ حِسِّهِ وَعَقْلِهِ، أَوْ لِنَوْعِ هَوًى خَالَطَ اعْتِقَادَهُ، فَهَذَا طَرِيقُهُ أَنْ يَبَيَّنَ لَهُ مَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ، حَتَّى يَتَمَيَّزَ لَهُ أَنَّ الَّذِي اضْطُرَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي نُوزَعُ فِيهِ، بَلْ هُوَ غَيْرُهُ أَوْ يَصْلُحُ إِدْرَاكُهُ بِإِزَالَةِ الْهَوَى، أَوِ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ، الَّذِي جَعَلَهُ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ ضَرُورِيًّا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الْأَنْعَامُ: 110] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصَّفُّ: 5] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا [النِّسَاءُ: 155] وَقَالَ تَعَالَى:
[ ص: 57 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الْأَعْرَافُ: 179] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [مُحَمَّدٌ: 24] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=16إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [مُحَمَّدٌ: 16] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فُصِّلَتْ: 44] فَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ السَّفْسَطَةِ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28713_29615_29614_29613دَعْوَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ إِنْكَارِ الضَّرُورِيِّ، فِيمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ، فَصَاحِبُ هَذَا إِمَّا مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ، وَإِمَّا مُخْطِئٌ، وَالْخَطَأُ فِي أَسْبَابِ الْعِلْمِ: إِمَّا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْعِلْمِ، مِنْ فَسَادِ قُوَى الْإِدْرَاكِ وَضَعْفِهَا، أَوْ عَدَمِ التَّصَوُّرِ التَّامِّ لِطَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ، الَّتِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالتَّصْدِيقِ عِنْدَ
[ ص: 58 ] تَصَوُّرِ طَرَفَيْهَا، أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ مِنَ الْأَهْوَاءِ الصَّادَّةِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَحْصُلُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ إِلَّا بِوُجُودِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، وَإِلَّا فَمَعَ عَدَمِ هَذَيْنِ قَدْ تُنْكَرُ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ، أَوْ يُجْعَلُ مَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ ضَرُورِيًّا، وَالْمُثْبِتُونَ يَقُولُونَ لِلنُّفَاةِ: أَنْتُمْ فِي نَفْيِ هَذَا الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ، لَا تَخْرُجُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا مُسَفْسِطٌ. وَالنَّافُونَ يَقُولُونَ لِلْمُثْبِتَةِ: بَلْ أَنْتُمُ الْمُدَّعُونَ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ مَعَ انْتِفَائِهِ، وَالْمُؤَسَّسِ فِي مَقَامِ بَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ مُنَازِعِيهِ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ بِمَا ذَكَرُوهُ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ نَفْيُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَنْفِي ذَلِكَ، فَظَهَرَ انْقِطَاعُهُ وَانْقِطَاعُ نُظَرَائِهِ مَعَهُ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ.