وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به" فلو ذكر الحديث بألفاظه لعلم أن معناه ظاهر لا يحتاج [ ص: 267 ] إلى تأويل.
فإنه قال: (رواه "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما [افترضت] عليه، ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه". في صحيحه من حديث البخاري أبي هريرة).
فقوله: تصريح منه بالفرق والجمع. حيث جعل معاداة وليه معاداة له، ولم يجعل نفسه ذات وليه. "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة"
ثم قال: فقد بين وأظهر أن المتقرب إليه عبده والمتقرب ليس المتقرب إليه. "وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه"
[ ص: 267 ] وقال: وهذا كله إظهار وبيان؛ لأن الله تعالى ليس هو عين العبد وأعضائه وقواه. "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"
ثم قال: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه").
فقد بين وأظهر بعد قوله: وقوله: "كنت سمعه وبصره"، أنه: "فبي يسمع وبي يبصر" ومن المعلوم أن هذا صريح في أن السائل المستعيذ ليس هو المستعاذ به. "لئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
ثم قال: وهذا تصريح بأنه عبده، ليس الرب جزءا منه، ولا صفة له، وأنه يقبض ويموت. ومعلوم أن الله حي لا يموت، فضلا عن أن يكون بعضا أو صفة لمن يموت، فإنه لو كان ظاهره أن الله نفسه هو عين العبد وسمعه ويده ورجله لكانت هذه الأعضاء تموت بموت الجملة. "وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس [عبدي] المؤمن يكره الموت وأكره مساءته"
[ ص: 269 ] وهذا كله يبين أنه ليس ظاهر الحديث أن الله هو القوة الباصرة، بل ظاهره ما ظهر منه وما بينه الرسول، الذي هو من أحسن الألفاظ، وأحسنها بيانا وإظهارا، إذ لا يكون أحد غير الرسول أحسن بيانا وإظهارا لما يخبره به عن ربه من الرسول، وقد نزهه الله أن يكون ظاهر كلامه كفرا، وضلالا، وإفكا، ومحالا، ولا يكون هو قد جعل هذا الظاهر غير ظاهر وقذف بالحق على الباطل، حتى يظهر الحق ويخفى الباطل، كيف وقد تكفل الرب بإظهار دينه على الدين كله، بظهور العلم والحجة، وظهور القدرة والنصرة، وأخبر أنه أرسله بالهدى، ودين الحق، فكيف يكون كلامه مضلا إذا كان ظاهره الضلال ولم يبين ذلك.