ثم من المعلوم أن العلم والذكر والمحبة والتعظيم قد يكون من الطرفين، فمن كان زيد عنده معلوما مذكورا محبوبا معظما فإنه قد يكون عند زيد كذلك. وهذا ثابت في حق الله تعالى كما جاء في الأثر: "إذا أحب أحدكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله من قلبه، فإن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من قلبه".
وقد قال تعالى فيما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: وقال: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة". لأن "لايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"؛ فإذا كان الله تعالى محبوبا معظما مذكورا عند عبده وكان العبد متقربا إليه كان العبد محبوبا معظما مذكورا عند الرب متقربا إليه، وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن من أعظم ما يكون العبد متقربا إلى ربه إذا ذل له. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: النوافل [ ص: 262 ] محاب الحق تعالى: وربه في هذه الحال عنده في قلبه في غاية الإجلال والإكرام وقد تقرب إلى ربه بنهاية تقربه، فربه -أيضا- يتقرب إليه ويجله ويكرمه، فمن انكسر قلبه لله فإنه متواضع [خاشع] لله، سواء كان هو قد شهد من عظمة الحق ما أوجب انكسار قلبه، أو كان [أعداء] الله قد آذوه وكسروا قلبه لأجل عبادته، وطاعته لله. "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"