قال: "وقيل وجه آخر: وهو أن قوله: (يمين الله) أمان الله. لأن الحجر من جملة البيت، وقد قال سبحانه: ومن دخله كان آمنا [آل عمران: 97]".
قال: "ولا بأس بهذه الوجوه للمعنى الذي بينا من امتناع إضافة ذلك إلى [الله] سبحانه وتعالى. ويبين صحة ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأيضا قول "الحجر الأسود من ياقوت الجنة، وإنما سودته خطايا بني آدم". "إني لأعلم [ ص: 150 ] أنك حجر لا تضر ولا تنفع". وهذا لا يقال في صفات [ ص: 151 ] عمر:
القديم".
فالقاضي نفى عنه المعنى الفاسد الذي يقال إنه ظاهره، وسمى ذلك ظاهره موافقة لمن جعل ذلك ظاهره، وبين امتناع ذلك المعنى بالأدلة الشرعية والعقلية، ولم يذكر عن في ذلك شيئا، وتسميته لذلك ظاهرا هو موافقة منه لمن سماه ظاهرا من المتأولين فإنه صنف كتابه على كتاب أحمد أبي بكر بن [ ص: 152 ] فورك.
وكذلك في معناه الوجوه التي ذكرها هؤلاء، وهي فاسدة إلا الوجه الأول الذي هو ظاهر الحديث.
وكذلك إن قوله: إن لم يحمل قوله: أحمد وفي الأرض [الأنعام: 3] على ظاهره موافقة على تسمية ذلك ظاهرا والذي ذكره في الآية هو ظاهرها، كما بيناه في غير هذا الموضع. أحمد
وهذا الذي قاله القاضي من التسمية لا يلزم [ ص: 153 ] فإن الإمام أحمد، القاضي واحد من أصحابه، وهو وغيره من أصحاب قد يوافقون المثبتة على أشياء من قولهم على أحاديث ضعيفة ودلالات ضعيفة، ويوافقون النفاة على أشياء –أيضا- من قولهم، مثل نفي الأسماء التي يزعمون أن العقل نفاها، كالجوهر، والجسم ونحو ذلك، وليس هذا ولا هذا من قول السلف والأئمة. أحمد
وأصحاب فيهم من النفي والإثبات ما يوجد في غيرهم، لكنهم أقرب إلى الاعتدال في الطريقين، وأقل غلوا فيهما من غيرهم؛ لأن أحمد له من تقرير أصول السنة ما يوجد لغيره، فلا يمكن أتباعه أن يغلوا في الانحراف عن السنة والاعتدال، كانحراف غيرهم، وإن كان يوجد فيهم من قد ينحرف إلى النفي أو الإثبات، أو كليهما جميعا على وجه التناقض، أو لاختلاف الاجتهاد. الإمام أحمد
ولعل هذا المنقول من أنه لم يتأول إلا كذا أصله عن [ ص: 154 ] القاضي، فإن القاضي في كتاب (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) قد يتأول أشياء مثل هذا، لكنه مع ذلك يبين أن تأويلها وجب لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة نفت ذلك كما ذكره هنا، وكما يأتي كلامه في قوله: اليمن". "إني أجد نفس الرحمن من قبل
ولا ريب أن صرف ظاهر النص بنص آخر ليس مما ينازع فيه الفقهاء، والذي أنكرناه هو كون ظاهر القرآن باطلا، وكفرا، من غير أن يبين الله تعالى ذلك، فهذا مما ينكره علماء الإسلام.
وقد روى هذا الخبر مرفوعا في عثمان بن سعيد الدارمي بلفظ آخر، فقال: "حدثنا إثبات صفة اليد قال: حدثنا الهيثم بن خارجة، عن إسماعيل بن عياش، حميد بن أبي [ ص: 155 ] سويد، عن عطاء، عن قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبي هريرة، "من فاوض الحجر فإنما يفاوض كف الرحمن"، يعني استلام الحجر الأسود.
[ ص: 156 ] فهذا فيه إثبات وصف صفة الرحمن بمفاوضته، كقوله: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [الفتح: 10].
الوجه الرابع: أن قوله: اليمن" فلم أجد عن "إني لأجد نفس الرحمن من قبل فيه كلاما أيضا، ولا [نقل] ذلك أصحابه الذين [تتبعوا] نصوصه، أحمد كالخلال وغيره، ولكن تكلم فيه ابن حامد، وابن بطة، والقاضي، وغيرهم.
[ ص: 157 ] فذكر القاضي ما حدثه به أبو القاسم [الأزجي] بإسناده عن أنه قال: "لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن جل اسمه" وفي رواية: فإنها من نفس الله (جل وعز) فإذا رأيتموها فقولوا: اللهم إنا نسألك من خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به". أبي بن كعب
[ ص: 158 ] قال: "وروى في بعض مكاتباته إلى بعض أصدقائه جواب مسائل سأله عنها بإسناده عن ابن بطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جابر "إذا رأيتم الريح فلا تسبوها، فإنها من نفس الرحمن، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فاسألوا الله من [ ص: 159 ] خيرها، واستعيذوا بالله من شرها".
ثم قال القاضي: "اعلم أن شيخنا أبا عبد الله ذكر هذا الحديث في كتابه، وامتنع أن يكون على ظاهره في أن الريح صفة ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله، ويكون معناه: أن الريح مما يفرج الله تعالى بها عن المكروب والمغموم فيكون معنى النفس معنى التنفس، وذلك معروف من قولهم: نفست عن فلان، أي فرجت عنه، وكلمت فلانا في التنفيس عن غريمه، ويقال: نفس الله عن فلان كربه، أي فرج الله عنه، وروي في الخبر: "من نفس عن مكروب كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة".
[ ص: 160 ] وروي في الخبر: أن فقال: الله فرج عن نبيه بالريح يوم الأحزاب، فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [ ص: 161 ] [الأحزاب: 9].