قال القاضي: "وروى عن ابن جريج، محمد بن عباد [ ص: 145 ] ابن جعفر المخزومي، قال: سمعت يقول: "إن هذا الركن الأسود يمين الله في الأرض، يصافح به عباده، مصافحة الرجل أخاه" وهذا هو المعروف. عبد الله بن عباس
ثم قال القاضي: "اعلم أن هذا الخبر ليس على ظاهره؛ لأن إضافة الحجر إلى أنه صفة ذات هي يمين تحيل صفاته وتخرجها عما تستحقه؛ لأن الحجر جسم مخلوق حال [ ص: 146 ] في مخلوق، وفي الأرض، والقديم -سبحانه- تستحيل عليه هذه الصفات، ويفارق هذا ما تقدم من إثبات اليمين في الخبر الذي قبله، وأن ذلك صفة ذات" -يعني قوله الذي في صحيح مسلم: "لأنه لا يستحيل إضافة [ ص: 147 ] اليمين إليه؛ لأنها غير مستحيلة عليه، لأن "المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين"- وذلك جائز". إضافة اليمين [إليه] كإضافة اليد إليه،
قال: "ومثل هذا غير موجود ها هنا. يبين صحة هذا من كلام أنه فسر قوله: أحمد وهو الله في السماوات وفي الأرض [الأنعام: 3]، قال: معناه: هو إله من في السموات، وإله من في الأرض، وهو على العرش) فلم يحمل قوله وفي الأرض على ظاهره، بل تأوله، وبين أنه على العرش، فوجب أيضا أن يمتنع من إطلاق صفة ذات في الأرض [ ص: 148 ] تلمس في [جهة] من الجهات. وقد قيل في تأويله أوجه:
أحدها: أن هذا على طريق المثل. وأصله أن الملك كان إذا صافح رجلا قبل الرجل يده، فكأن الحجر لله -عز وجل- بمنزلة اليمين للملك تستلم وتلثم، وقد روي في الخبر: أن الله -عز وجل- حين أخذ الميثاق من بني آدم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا بلى. جعل ذلك في الحجر الأسود. وكذلك يقال: إيمانا بك ووفاء بعهدك".
قال: "وقد قيل فيه وجه آخر: وهو أنه يحتمل أن يكون معنى قوله: (الحجر يمين الله في أرضه) إنما إضافة اليد على طريق التعظيم للحجر، وهو فعل من أفعال الله تعالى، سماه يمينا [ ص: 149 ] بنسبته إلى نفسه، وأمر باستلامه ومصافحته، ليظهر طاعتهم بالائتمار، وتقربهم إلى الله تعالى فيحصل لهم بذلك البركة والسعادة".