فذكر في كتابه الذي سماه: مقالات [ ص: 498 ] الشيخ أبو بكر بن فورك وذكر أنه الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، متفقان لا يتنازعان إلا فيما لا قدر له من الأمور اللطيفة، وذكر مذهبه في أصول ذكرها إلى أن قال: "فصل في إبانة مذاهبه في الصفات: هذا الباب منقسم على وجهين: وأبا الحسن الأشعري
أحدهما: ما اشتهر به من مذاهبه حتى تغني شهرته عن الاستشهاد عليه على التفصيل بكلامه في كتبه الموضوعة في هذا المعنى.
والثاني: ما يغمض ويختلف فيه عنه".
ثم قال: "أما المشهور من مذهبه في باب الصفات، وذكر [ ص: 499 ] أصولا إلى أن قال:
"والمشهور من مذاهبه في ذلك أن القول بأن الله سبحانه نور لا كالأنوار حقيقة لا بمعنى أنه هاد".
وعلى ذلك نص في كتاب التوحيد في باب مفرد، لذلك تكلم فيه على المعتزلة، إذ تأولوا ذلك على أن معناه هاد.
فقال: "إن سأل سائل عن الله عز وجل أنور هو؟ قيل له: كلامك يحتمل وجهين: إن كنت تريد أنه نور يتجزأ تجوز عليه الزيادة والنقصان فلا، وهذه صفة النور المخلوق، وإن كنت تريد معنى ما قاله سبحانه وتعالى: الله نور السماوات والأرض فالله عز وجل نور السموات والأرض على ما قال: [قال]، فإن قال: فما معنى قولك نور؟ قيل له: قد أخبرناك ما معنى النور المخلوق، وما معنى النور الخالق وهو الله سبحانه الذي ليس كمثله شيء، ومن تعدى أن يقول الله نور فقد تعدى إلى غير سبيل المؤمنين، لأن الله سبحانه لم يكن يسمي نفسه لعباده بما ليس هو به؛ فإن قال: لا أعرف النور إلا هذا النور المضيء المتجزئ، قيل له: فإن كان لا يكون نورا إلا مضيئا. فكذلك [ ص: 500 ] لا يكون حكمه إلا وحكمه حكم ذلك الشيء".
قال ثم قال في هذا الفصل: "فإذا قال الله عز وجل إني نور. قلت أنا: هو نور، على ما قال الله سبحانه وتعالى، وقلت أنت: ليس الله عز وجل نورا، فمن المثبت له على الحقيقة أنا أو أنت؟ وكيف يتبين الحق فيه إلا من جهة ما أخبر الله سبحانه وتعالى؟ والدافع لما قال الله سبحانه كافر بالله سبحانه وتعالى؟ وإن لزمنا أن لا نقول إن الله نور، لأن ذلك موجود في الخلق لزمنا أن لا نقول إن الله عز وجل شيء سميع بصير موجود؛ لأن ذلك موجود في الخلق، ومعنانا في هذا إثبات خلاف معناكم في ذلك التعطيل قال: ومعنانا في قولنا إن الله نور نثبت لله تعالى اسم النور على ما ورد به كتابه مما يسمى به عندنا، فنحن متبعون لما أخبرنا في كتابه، فإن جاز لكم أن يكون شيء لا كالأشياء جاز أن نقول: نور [ ص: 501 ] لا كالأنوار، وأنتم ظلمة -فيما سألتم- جحدة لما أخبر عن نفسه في كتابه، ونحن وأنتم متفقون إن أقررتم بالكتاب أن الله نور السموات والأرض، ومختلفون في أن نقول: نور، فقلنا نحن: نور، وقلتم أنتم: لا نقول نور، فإن زعمتم أن معنى نور معنى هادي، قلنا لكم: فيجوز أن يكون غيره نورا هاديا، فإن قلتم، لا، أكذبكم القياس واللغة، وإن قلتم نعم قلنا لكم: فقد سويتم بين النور الهادي الذي هو غير الله سبحانه وبينه، إذ كان هو النور الهادي، ومعنى هذا نور معنى هذا نور فقد استويا في معنييهما وأسمائهما فدخلتم فيما عبتم على مخالفكم إذ زعمتم أنه نور لا كنور وقلتم إنه نور هاد لا كنور هاد، فما الفصل بينكم وبين من قال ذلك؟ وما الفرق بينه وبينكم؟ إن كان نورا، فالنور لا يكون إلا جسدا مجسدا وضياء ساطعا. قلنا: ولا يكون عالما بصيرا [إ] لا لحم ودم متجزئ متبعض، فإن جاز قياسكم على مخالفكم جاز قياسه عليكم أنه لا يكون سميعا بصيرا إلا لحم [ ص: 502 ] ودم. فإن قلتم: يكون عالما لا لحم ولا دم، قيل لكم: كذلك يجوز أن يكون نورا لا جسدا ولا ضوءا ساطعا، لا على ما تعقلون مما وقع عليه أثر الصفة والزيادة والنقصان، وليس لكم إلا التعطيل والنفي لله سبحانه". ابن فورك
قال "وإنما استوفيت ذكر هذا الفصل من كتابه رحمه الله تعالى بألفاظه لتحقق هذا الوصف في الله تعالى تمسكا بمحكم الكتاب، وأنه لا يرى أن يعدل عن الكتاب ما وجد السبيل إلى التمسك به لرأي وهوى لا يوجبه أصل صحيح، وقد كشف عن ذلك بغاية البيان وإزالة اللبس فيه، وأن السمع هو الحجة في تسمية الله عز وجل ولا يجب أن يحمل على المجاز لأجل أن ذلك يقتضي أن يكون على جميع معاني ما هو مخلوق، لأنه يوجب أن يحمل سائر ما ورد به السمع من أسمائه سبحانه وتعالى على المجاز، لأن جميع معاني ما هو في الخلق لا يصح إطلاقه فيه تعالى. أبو بكر بن فورك: