الخامس: أن كونه نورا، أو تسميته نورا، مما لم يكن ينازع فيه قدماء الجهمية وأئمتهم الذين ينكرون الصفات، بل كانوا يقولون: إنه نور.
قال في الرد على الإمام أحمد الجهمية: "وقلنا للجهمية حين زعموا أن الله بكل مكان [لا يخلو منه مكان] فقلنا لهم: أخبرونا عن قول الله جل ثناؤه: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا [الأعراف: 143] لم تجلى للجبل إذا كان فيه بزعمكم فلو كان فيه كما تزعمون لم يكن متجليا لشيء هو فيه؟ لكن الله تبارك وتعالى على العرش، وتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئا لم يكن رآه قط قبل ذلك، وقلنا [ ص: 494 ] للجهمية: الله نور فقالوا: هو نور كله، فقلنا: قال الله: وأشرقت الأرض بنور ربها فقد أخبر جل ثناؤه: أن له نورا. وقلنا لهم: أخبرونا حين زعمتم أن الله في كل مكان وهو نور، فلم لا يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان؟ وما بال السراج إذا دخل البيت [المظلم] يضيء؟ فعند ذلك تبين كذبهم على الله".
وقال حدثنا الخلال: يحيى بن أبي طالب قال: كنا عند عمر بن يحيى الواسطي بن أخي فتذاكرنا [ ص: 495 ] من قال: القرآن مخلوق، فقال: حدثني علي بن عاصم يحيى بن عاصم قال: كنت عند أبي فاستأذن عليه فقلت له: يا أبت، مثل هذا يدخل عليك؟ قال: يا بني، ما له؟ قلت: إنه يقول القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض، وإن الشفاعة باطلة، وإن الصراط باطل، وإن الميزان باطل، وإن منكرا باطل، مع كلام كثير، قال: ويحك أدخله علي، قال: فأدخلته فجعل يقول: ويلك يا بشر المريسي. بشر ادنه، فما زال يدنيه حتى قرب منه، ثم قال: ويلك يا بشر، ما هذا الكلام الذي بلغني عنك؟ قال: وما هو يا أبا الحسن؟ قال: بلغني أنك تقول: القرآن مخلوق، وأن الله في الأرض معك، مع كلام كثير، فقال: ويلك من تعبد وأين ربك؟ قال: يا أبا الحسن لم أجئ لهذا، إنما جئت لتقرأ علي كتاب خالد، قال: فقال: لا ولا نعمة عين ولا عزازة حتى أعلم ما أنت عليه، أين ربك؟ ويلك، قال: فقال: أما إذ أبيت علي يا أبا الحسن، فربي نور في نور، قال: فجعل يزحف إليه [ ص: 496 ] من ضعف ويقول: ويحكم اقتلوه، فإنه والله زنديق، وقد كلمت هذا الصنف بخراسان، قال: فأخرجناه".
قلت: والصنف الذي أشار إليهم محتمل أنهم من أتباع علي بن عاصم المجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة وأنهما امتزجا واختلطا، فإنهم لا يثبتون فوق العالم شيئا، كما تقول الجهمية.
وقد تقدم كلام على مضاهاة ابن كلاب المعتزلة للثنوية والدهرية.
فإذا كان أئمة المؤسس وقدماء أهل مذهبه يقولون / إنه نور فكيف يدعي الإجماع على خلاف ذلك، فإن هذه التأويلات التي يذكرها في كتابه هي تأويلات وهو إمام المتأولين [فيها] كما سننبه إن شاء الله على ذلك. بشر المريسي
فهؤلاء المعطلة الجهمية، وكذلك المجسمة، كما نقل في كتاب المقالات عن الهشامية أصحاب الأشعري هشام بن الحكم أنهم يقولون: إنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من [ ص: 497 ] جميع جوانبها.
وكذلك نقل عن أصحاب هشام بن سالم الجواليقي أنهم يقولون: إنه نور ساطع، يتلألأ بياضا، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به، وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم وكذلك نقل عن فرقة خامسة أنهم يزعمون أنه ضياء خالص ونور بحت، وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد، وأيضا فالقول بأن الله في نفسه نور هو قول الصفاتية أهل الإثبات كأبي سعيد بن كلاب وأئمة أصحابها، ولم يذكر الخلاف في ذلك إلا عن وأبي الحسن الأشعري المعتزلة.