( ومنها ) وهي قاعدة عظيمة بنفسها فلنذكر هاهنا مضمونها ملخصا : إذا مسألة ) : مد عجوة ففيه روايتان أشهرهما بطلان العقد وله مأخذان : باع ربويا بجنسه ومعه من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما كمد عجوة ودرهم بمد عجوة أو مد عجوة ودرهم بمدي عجوة بدرهمين
أحدهما : وهو مسلك وأصحابه أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة يقسط الثمن على قيمتهما وهذا يؤدي هاهنا إما إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي وكلاهما مبطل للعقد في أموال الربا . وبيان ذلك : أنه إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلاثة دراهم كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد ويبقى مد في مقابلة مد وثلث ذلك ربا وكذلك إذا باع مدا يساوي درهما ودرهمين بمدين يساوين ثلاثة دراهم فإنه يتقابل الدرهمان بمد وثلث مد ويبقى ثلثا مد في مقابلة مد ، وأما إن فرض التساوي كمد يساوي درهما ، ودرهم بمد يساوي درهما ودرهم فإن التقويم ظن وتخمين فلا يتعين معه المساواة والجهل بالتساوي هاهنا كالعلم بالتفاضل فلو فرض أن المدين من شجرة واحدة أو من زرع واحد وإن الدرهمين من نقد واحد ففيه وجهان ذكرهما القاضي في خلافه احتمالين : القاضي
أحدهما : الجواز لتحقق المساواة .
والثاني : المنع لجواز أن يتغير أحدهما قبل العقد فتنقص قيمته وحده وصحح في انتصاره المنع قال ; لأنا لا نقابل مدا بمد ودرهما بدرهم بل نقابل مدا بنصف مد ونصف درهم ، وكذلك لو خرج مستحقا لاسترد ذلك وحينئذ فالجهل بالتساوي قائم ، هذا ما ذكره في تقريره هذه الطريقة . وهو عندي ضعيف ; لأن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة [ ص: 249 ] المثمن [ لا إجراء أحدهما على قيمة الآخر ففيما إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلاثة لا نقول درهم مقابل بثلثي مد بل نقول ثلث الثمن مقابل بثلث المثمن فنقابل ثلث المدين بثلث مد وثلث درهم ونقابل ثلث المدين بثلثي مد وثلثي درهم فلا تنفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم ] مقابل لثلث المثمن فيقابل ثلث المدين ثلث مد وثلث درهم ويقابل ثلثا المدين بثلثي مد وثلثي درهم فلا ينفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم . أبو الخطاب
ولهذا لو باع شقصا وسيفا بمائة درهم وعشرة دنانير لأخذ الشفيع الشقص بحصته من الدراهم والدنانير ، نعم نحتاج إلى معرفة ما يقابل الدراهم أو المد من الجملة الأخرى إذا ظهر أحدهما مستحقا أو رد بعيب أو غيره ليرد ما قابله من عوضه حيث كان المردود هاهنا معينا مفردا ، أما مع صحة العقد في الكل واستدامته فإنا نوزع أجزاء الثمن على أجزاء المثمن بحسب القيمة وحينئذ فالمفاضلة المتيقنة كما ذكروه منتفية ، وأما إن المساواة غير معلومة فقدت في بعض الصور كما سبق .
والمأخذ الثاني : أن ذلك ممنوع سدا لذريعة الربا . فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلا للمائة في مقابلة الكيس وقد لا يساوي درهما فمنع ذلك وإن كانا مقصودين حسما لهذه المادة ، وفي كلام إيماء إلى هذا المأخذ . أحمد
والرواية الثانية : يجوز ذلك بشرط أن يكون مع الربوي من غير جنسه من الطرفين أو يكون مع أحدهما ولكن المفرد أكثر من الذي معه غيره نص عليه أحمد في رواية جماعة جعلا لغير الجنس في مقابلة الجنس وفي مقابلة الزيادة ، ومن المتأخرين كالسامري من يشترط فيما إذا كان كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي جعلا لكل جنس في مقابلة جنسه وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره لا سيما مع اختلافهما في القيمة وعلى هذه الرواية فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا وقد نص على هذا الشرط في رواية أحمد حرب ولا بد منه .
وعلى هذه الرواية يكون التوزيع هاهنا للأفراد على الأفراد وعلى الرواية الأولى هو من باب توزيع الأفراد على الجمل أو توزيع الجمل على الجمل ، وللأصحاب في المسألة طريقة ثانية . وهو أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس حليته قولا واحدا ، وفي بيعه بنقد آخر روايتان ويجوز بيعه بعرض رواية واحدة وهي طريقة أبي بكر في التنبيه وابن أبي موسى والشيرازي وأبي محمد التميمي وأبي عبد الله الحسين الهمداني في كتاب المقتدى ، ومن هؤلاء من جزم بالمنع من بيعه بنقد من جنسه وغير جنسه في التنبيه . كأبي بكر
وقال الشيرازي الأظهر المنع ومنهم من جزم بالجواز في بيعه بغير جنسه كالتميمي ومنهم من حكى الخلاف كابن أبي موسى ونقل [ ص: 250 ] البرزاطي عن ما يشهد لهذه الطريقة في حلي صنع من مائة درهم فضة ومائة نحاس أنه لا يجوز بيعه كله بالفضة ولا بالذهب ولا بوزنه من الفضة والنحاس . أحمد
ولا يجوز بيعه حتى يخلص الفضة من النحاس وبيع كل واحد منهما وحده ، وفي توجيه هذه الطريقة غموض وحاصله أن يؤدي إلى الربا ; لأنه بيع ربوي بجنسه من غير تحقق مساواة ; لأن بعض الثمن يقابل العرض فيبقى الباقي مقابلا للربوي ولا تتحقق مساواته وأما مع تمييز الربوي ومعرفة مقداره فإنما منعوا [ منه ] إذا ظهر فيه وجه الحلية أو كان التفاضل فيه متيقنا كبيع عشرة دراهم مكسورة بثمانية صحاح وفلسين أو ألف صحاح بألف مكسورة وثوب أو ألف صحاح ودينار بألف ومائة مكسورة هكذا ذكره بيع المحلى بنقد من جنسه قبل التمييز والتفصيل بينه وبين حليته ابن أبي موسى وأما بيعه بنقد آخر أو بربوي من غير جنسه ولكن علة الربا فيها واحدة فالخلاف فيه مبني على الخلاف في بيع الموزونات والمكيلات وبعضها ببعض جزافا وفي جوازه روايتان .
واختيار أبي بكر وابن أبي موسى في خلافه المنع بأنه لو استحق أحدهما لم يدر بما يرجع على صاحبه فيؤدي إلى الربا من جهة العقد وهكذا علل أهل هذه الطريقة المنع في هذه المسألة وفيه ضعف فإن المستحق لم يصح العقد فيها وعوضه ثابت في الذمة فيجوز المصالحة عنه كسائر الديون المجهولة وهذا الخلاف يشبه الخلاف في اشتراط العلم برأس مال وضبط صفاته وأنه إذا أسلم في جنسين لم يجز حتى يبين قسط كل واحد منهما فإن السلم والصرف متقاربان وهذا كله في الجنسين . والقاضي
فأما بيع نوعي جنس بنوع منه ففيه طريقان :
أحدهما : أن حكم نوعي الجنس حكم الجنسين وهو طريق وأصحابه نظرا ; لأن توزيع العوض بالقيمة فيؤدي ذلك هاهنا إلى تعين المفاضلة وليس هاهنا شيء من غير الجنس يجعل في مقابلة الفاضل . القاضي
والثاني : الجواز هاهنا وهو طريق أبي بكر ورجحه صاحب المغني والتلخيص نظرا إلى أن الجودة والرداءة لا تعتبر في الربويات مع اتحاد النوع فكذا في الجنس الواحد ، والتقسيط إنما يكون في غير أموال الربا أو في الجنس بدليل ما لو باع نوعا بنوع يشتمل على جيد ورديء فإن المذهب جوازه ولكن ذكر في انتصاره فيه احتمالا بالمنع ، ونقل أبو الخطاب ابن القاسم عن إن كان نقدا لم يجز فإن كان ثمرا جاز ، والفرق أن أنواع الثمار يكثر اختلاطها ويشق تمييزها بخلاف أنواع النقود وهذا كله فيما إذا كان الربوي مقصودا بالعقد فإن كان غير مقصود بالأصالة وإنما هو تابع لغيره فهذا ثلاثة أنواع : أحمد
أحدها : ما لا يقصد عادة ولا يباع مفردا كتزويق الدار ونحوه فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق .
والثاني : ما يقصد تبعا لغيره وليس أصلا [ ص: 251 ] لمال الربا وفيه ثلاث طرق أحدها أنه يصح رواية واحدة سواء قلنا أن العبد يملك أو لا يملك وهي طريقة كبيع العبد ذي المال بمال من جنسه إذا كان المقصود الأصلي هو العبد أبي بكر والخرقي في خلافه والقاضي في مواضع من فصوله وصاحب المغني وهو المنصوص عن وابن عقيل . أحمد
والثانية : البناء على ملك العبد فإن قلنا يملك يصح ; لأن المال ملك العبد فليس بداخل في عقد البيع كمال المكاتب لا يدخل معه في بيعه وإن قلنا لا يملك اعتبر له شروط البيع وهي طريقة في المجرد القاضي في انتصاره . وأبي الخطاب
والثالثة طريقة صاحب المحرر إن قلنا لا يملك اعتبر له شروط البيع وإن قلنا يملك فإن كان مقصودا اعتبر له ذلك وإلا فلا . وأنكر في المجرد أن يكون القصد وعدمه معتبرا في صحة العقد وفي الظاهر وهو عدول عن قواعد المذهب وأصوله . القاضي
النوع الثالث : ما لا يقصد وهو تابع لغيره وهو أصل لمال الربا إذا بيع بما فيه وهو ضربان :
أحدهما : أن يمكن إفراد التابع بالبيع . وفيه طريقان : كبيع نخلة عليها رطب برطب
أحدهما : وهو طريق في المجرد المنع ; لأنه مال مستقل بنفسه فوجب اعتبار أحكامه بنفسه منفردا عن حكم الأصل . القاضي
والثاني : الجواز وهي طريقة أبي بكر والخرقي وابن بطة في الخلاف كما سبق في بيع العبد ذي المال ، واشترط والقاضي وغيره أن يكون الرطب غير مقصود ولذلك شرط في بيع النخلة التي عليها ثمر لم يبد صلاحه أن يكون الثمر غير مقصود ونص ابن بطة عليه في رواية أحمد إبراهيم بن الحارث ، وتأوله والأثرم لغير معين ومعنى قولنا غير مقصود أي بالأصالة وإنما المقصود في الأصلي الشجر والثمر مقصود تبعا ، والضرب . القاضي
الثاني : أن لا يكون التابع مما لا يجوز إفراده بالبيع فيجوز هاهنا عند كبيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف وبيع الثمر بالنوى في المجرد القاضي وابن حامد وابن أبي موسى ومنع منه أبو بكر في خلافه ، وقد حكي في المسألة روايتان عن والقاضي ولعل المنع ينزل على ما إذا كان الربوي مقصودا والجواز على عدم القصد وقد صرح باعتبار عدم القصد أحمد وغيره ويشهد له تعليل الأصحاب كلهم الجواز بأنه تابع غير مقصود ، واعلم أن هذه المسألة منقطعة عن مسائل ) : مد عجوة وأن القول بالجواز لا يتقيد بزيادة المفرد على ما معه . ابن عقيل
وقد نص في بيع العبد الذي له مال بمال دون الذي معه وقاله أحمد في خلافه في مسألة العبد والنوى بالثمر وكذلك المنع فيها مطلق عند الأكثرين ، ومن الأصحاب من خرجها أو بعضها على مسائل مد عجوة ففرق بين أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو لا وقد صرح به طائفة من الأصحاب القاضي كأبي الخطاب في مسألة العبد ذي المال وكذلك حكى وابن عقيل أبو الفتح الحلواني [ ص: 252 ] رواية في بيع الشاة ذات الصوف واللبن بالصوف واللبن أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر مما في الشاة من جنسه ولعل هذا مع قصد اللبن والصوف بالأصالة والجواز مع عدم القصد فيرتفع الخلاف حينئذ والله أعلم . وإن حمل على إطلاقه فهو متنزل على أن التبعية هاهنا لا عبرة فيها وأن الربوي التابع لغيره فهو مستقل بنفسه .