الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها الوكيل في البيع هل له الشراء من نفسه ؟ فيه روايتان معروفتان وللمنع مأخذان :

أحدهما : التهمة وخشية ترك الاستقصاء في الثمن .

والثاني : أن سياق التوكيل في البيع يدل على إخراجه من جملة المشترين لأنه جعله بائعا فلا يكون مشتريا ، وهذان المأخذان ذكرهما القاضي وغيره .

والثالث أنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد بنفسه ويأخذ بإحدى يديه من الأخرى فإذا وكل رجلا يشتري له منه جاز نقل ذلك حنبل عن أحمد فعلى المأخذ الأول لا يجوز له البيع ممن يتهم بمحاباة أيضا وهو ممن لا تقبل شهادته له ، ومنهم من خصه بمن له عليه ولاية وهو ولده الصغير دون من لا ولاية له عليه وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني .

وعلى الثاني والثالث يجوز له البيع من غيره إذا كان أهلا للقبول ، ويجوز على المأخذ الثالث أيضا أن يوكل من يشتري له لاندفاع محذور إيجاد الموجب والقابل ، وإن وكل من يبيع السلعة ويشتريها هو فذكر ابن أبي موسى أنه إن كان مأذونا له في التوكيل في البيع جاز الشراء من وكيله قولا واحدا بناء على أن هذا الوكيل الثاني وكيل للموكل الأول فكأنه اشترى السلعة من مالكها ، وإن كان لم يأذن له في التوكيل انبنى على جواز توكيله بدون إذن فإن أجزناه صح البيع وإلا فلا فيحتمل أن يكون مأخذ الصحة أن الوكيل الثاني وكيل للموكل الأول ، ويدل عليه تعليله بذلك في صورة الإذن في مسألة النكاح ويحتمل أن يعتبر التوكيل لئلا يتحد الموجب والقابل مع أن هذا منتقص بالأب في مال ولده الطفل .

وأما رواية الجواز فاختلف في حكاية شروطها على طرق أحدها أنه يشترط الزيادة على الثمن الذي ينتهي إليه الرغبات في النداء ، وفي اشتراط أن يتولى النداء غيره وجهان وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل .

والثاني : أن المشترط التوكيل المجرد كما هي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي .

والثالث : أن المشترط أحد أمرين إما أن يوكل من يبيعه على قولنا بجواز ذلك وإما الزيادة على ثمنه في النداء وهي طريقة القاضي في خلافه وأبي الخطاب ، وأما إن باع الوكيل واشترط على المشتري أن يشركه فيه فهل يجوز أم لا ؟ على روايتين .

إحداهما يجوز ، نقلها أبو الحارث في الوكيل يبيع ويستثني [ ص: 128 ] لنفسه الشركة أرجو ألا يكون به بأس .

والثانية : تكره نقلها ابن منصور في رجل يدفع إليه الثوب يبيعه فإذا باعه قال أشركني فيه قال أكره هذا فأما إن أذن له الموكل في الشراء من نفسه فإنه يجوز ، قال كثير من الأصحاب رواية واحدة بخلاف النكاح وحكى الشيخ مجد الدين فيه وجها آخر بالمنع قال وهل يكون حضور الموكل وسكوته كإذنه ؟ يحتمل وجهين أشبههما بكلام أحمد المنع ، ونقل أحمد بن نصر الخفاف عن أحمد فيمن له على رجل خمسون دينارا فوكله في بيع داره ومتاعه ليستوفي حقه فباعها بدراهم ليصارف نفسه ويأخذها بالدنانير لم يجز ولكن يبيعها ويستقصي ويأخذ حقه قال القاضي ظاهر كلامه أنه لا يجوز له بيعها بغير جنس حقه ليستوفي منه لأن التهمة موجودة في عقد الصرف لنفسه من نفسه ، وإنما أذن له في الاستيفاء ولم يأذن له في المصارفة فإذا باعها بجنس حقه فله الاستيفاء منها بالإذن لأن يده كيد موكله فهو يقبض من يد غيره لنفسه لكن هذه العلة موجودة في شراء الموكل من نفسه وكذلك حكى في الخلاف في المسألتين روايتين وجعلها صاحب التلخيص رواية يجوز أن توكيل الوكيل في إيفاء نفسه من جنس حقه خاصة وأنكر الشيخ مجد الدين أن يكون فيها دلالة على المنع مدة البيع بغير جنس الحق لا سيما إن كان جنس الحق غير نقد البلد وحمل قول أحمد ببيعها على الدراهم التي هي الثمن وبنى ذلك على قولنا بمنع الوكيل من البيع من نفسه فأما على قولنا بجوازه فإنه يجوز له ههنا مصارفة نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية