الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا ) ادعى عنده بدين حال أو مؤجل أو بعين مملوكة أو وقف أو غير ذلك ثم ( أقر المدعى عليه أو نكل فحلف المدعي ) أو أو حلف من غير نكول بأن كانت اليمين في جانبه لنحو لوث أو إقامة شاهد مع إرادة الحلف معه ( وسأل ) المدعي ( القاضي أن يشهد على إقراره عنده أو يمينه أو ) سأل ( الحكم ) له عليه ( بما ثبت والإشهاد به ) ( لزمه ) إجابته لما ذكر ، وكذا لو حلف مدعى عليه وسأل الإشهاد ليكون حجة له فلا يطالبه مرة أخرى وذلك لأنه قد ينكر بعد فيفوت الحق لنحو نسيان القاضي أو انعزاله ، ولو أقام بينة بدعواه وسأله الإشهاد عليه بقبولها لزمه أيضا لأنه يتضمن تعديل البينة وإثبات حقه ، وخرج بقوله سأل ما إذا لم يسأله لامتناع الحكم للمدعي قبل أن يسأل فيه كامتناعه قبل دعوى صحيحة إلا فيما تقبل فيه شهادة الحسبة وصيغة الحكم الصحيح الذي هو الإلزام النفساني المستفاد من جهة الولاية حكمت أو قضيت له به أو أنفذت الحكم به أو ألزمت خصمه الحق ، وعلم مما تقرر أنه إذا عدلت البينة لم يجز الحكم إلا بطلب المدعي ، فإذا طلبه قال لخصمه ألك دافع في هذه البينة أو قادح ، فإن قال لا أو نعم ولم يثبته حكم عليه وقوله ثبت عندي كذا أو صح بالبينة العادلة ليس بحكم ، وإن كان مثل ذلك متوقفا على الدعوى سواء أكان الثابت الحق أم سببه ، فإن صرح بالثبوت كان حكما بتعديلها وسماعها فلا يحتاج حاكم آخر إلى النظر فيها ، وأفاد الشيخ أنه لو قال ثبت عندي وقف هذا [ ص: 258 ] على الفقراء لم يكن حكما ولكنه في معناه فلا يصح رجوع الشاهد بعده ، بخلاف ثبوت سببه كوقف فلان لتوقفه على نظر آخر ، ومن ثم امتنع على الحاكم الحكم به حتى ينظر في شروطه ، ويجوز تنفيذ الحكم في البلد قطعا من غير دعوى ولا حلف في نحو غائب ، بخلاف تنفيذ الثبوت المجرد فيها فإن فيه خلافا ، والأقرب جوازه بناء على أنه حكم بقبول البينة .

                                                                                                                            والحاصل أن تنفيذ الحكم ليس بحكم من المنفذ إلا إن وجدت فيه شروط الحكم عندنا وإلا كان إثباتا لحكم الأول فقط ، وقد قدمت في باب الهبة الفرق بين الحكم بالموجب والحكم بالصحة فالأول يتناول الآثار الموجودة والتابعة لها : بخلاف الثاني فإنه إنما يتناول الموجود فقط .

                                                                                                                            واعلم أن الحكم به أقوى من حيث إنه يستلزم الحكم بملك العاقد مثلا ، ومن ثم امتنع على الحاكم الحكم بهذا إلا بحجة تفيد الملك ، بخلاف الحكم بالموجب ولو حكم بالصحة ولم يعلم هل استند لحجة أو لا حملنا حكمه على الاستناد لأنه الظاهر ، نعم يتجه أن يكون محله في قاض موثوق بدينه وعلمه ككل حكم أجمل ولم يعلم استيفاؤه لشروطه فلا يقبل إلا ممن ذكر ( أو ) سأله المدعي ومثله المدعى عليه كما مر نظيره ( أن يكتب له ) بقرطاس أحضره من عنده حيث لم يكن من بيت المال ( محضرا ) بفتح الميم ( بما جرى من غير حكم أو سجلا بما حكم استحب إجابته ) لأنه يذكر وإنما لم يجب لثبوت الحق بالشهود دون الكتاب ( وقيل يجب ) توثقة لحقه ، نعم إن تعلقت الحكومة بصبي أو مجنون له أو عليه وجب التسجيل جزما ، وألحق بهما الزركشي الغائب ونحو الوقف مما يحتاط له ، وأشار المصنف إلى أن المحضر ما تحكى فيه واقعة الدعوى والجواب وسماع البينة بلا حكم ، والسجل ما تضمن إشهاده على نفسه بأنه حكم بكذا أو نفذه ( ويستحب نسختان ) أي كتابتهما ( إحداهما ) تدفع ( له ) بلا ختم ( والأخرى تحفظ في ديوان الحكم ) مختومة ويكتب عليها اسم الخصمين وإن لم يطلب الخصم ذلك لأنه طريق التذكر لو ضاعت تلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لما ذكر ) أي من الإشهاد والحكم ( قوله : قبل أن يسأل ) أي [ ص: 258 ] ولا يصح ذلك لو وقع منه ( قوله : ولكنه في معناه ) أي الحكم ( قوله : واعلم أن الحكم به ) أي الثاني ( قوله : ونحو الوقف ) كالوصية والإجارة الطويلة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كامتناعه ) أي الحكم ( قوله الذي هو الإلزام النفساني ) أخذ ابن عبد السلام من تفسير الحكم بهذا أنه إذا حكم بنفسه في مختلف فيه لم يتأثر بنقض المخالف .

                                                                                                                            قال الشهاب ابن حجر : وظاهره أنه بعد حكم المخالف يقبل ادعاؤه ذلك الحكم لأنه لا يعلم إلا من جهته .

                                                                                                                            قال : وفيه نظر ، والذي يتجه أنه إن كان أشهد به قبل حكم المخالف لم يعتد بحكم المخالف وإلا اعتد به ا هـ .

                                                                                                                            فالشهاب موافق لابن عبد السلام في تأثير الحكم النفساني في رفعه الخلاف ، لأنه إنما نظر في كلامه من جهة قبول قول القاضي حكمت في نفسي من غير إشهاد ( قوله : حكم عليه ) أي وإن وجد فيها ريبة ليس لها مستند خلافا لأبي حنيفة كذا في التحفة [ ص: 258 ] قوله : لم يكن حكما ) أي فلا يرفع الخلاف ( قوله : كوقف فلان ) هو بصيغة الفعل الماضي ( قوله : ويجوز تنفيذ الحكم ) قال في التحفة : أو فائدته تأكيد حكم الأول ( قوله : ليس بحكم من المنفذ ) أي ولهذا لم يشترط فيه تقدم دعوى ( قوله : إلا إن وجدت فيه شروط الحكم ) أي بأن يتقدمه دعوى وطلب من الخصم وغير ذلك من المعتبرات ( قوله : أن الحكم به ) أي بالصحة




                                                                                                                            الخدمات العلمية