الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحرم الانصراف ) على من كان من أهل فرض الجهاد ( عن الصف ) بعد ملاقاته ، وإن غلب على ظنه قتله لو ثبت لقوله تعالى { فلا تولوهم الأدبار } وصح أن صلى الله عليه وسلم عد الفرار من الزحف من السبع الموبقات ، وخرج بالصف ما لو لقي مسلم كافرين فطلبهما أو طلباه فلا يحرم عليه الفرار ; لأن فرض الثبات إنما هو في الجماعة ، وقضية ذلك أنه لو لقي مسلمان أربعة جاز لهما الفرار لأنهما غير جماعة ، ويحتمل أن يراد بالجماعة ما مر في صلاتها فيدخل في ذلك المسلمان ، ويجوز لأهل بلدة قصدهم الكفار التحصن منهم ; لأن الإثم منوط بمن فر بعد لقائهم ، ولو ذهب سلاحه وأمكنه الرمي بأحجار امتنع الانصراف ، وكذا لو مات مركوبه وأمكنه راجلا ( إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا ) للآية [ ص: 66 ] وهو أمر بلفظ الخبر ، وإلا لزم الخلف في خبره تعالى وحكمة مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين الشهادة أو الفوز بالغنيمة مع الأجر ، والكافر يقاتل على الفوز في الدنيا فقط .

                                                                                                                            فإن زاد على المثلين جاز الانصراف مطلقا ، وشمل ذلك ما لو بلغوا اثني عشر ألفا ، وأما خبر { لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة } فالمراد أن الغالب على هذا العدد الظرف فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا عدمها ( إلا متحرفا لقتال ) أي منتقلا عن محله ليكمن لأرفع منه أو أصون منه عن نحو ريح أو شمس أو عطش ( أو متحيزا ) أي ذاهبا ( إلى فئة ) من المسلمين وإن قلت ( يستنجد بها ) على العدو وهي قريبة بأن تكون بحيث يدرك غوثها المتحيز عنها عند الاستغاثة للآية ، ولا يلزم تحقيق قصده بالرجوع للقتال إذ لا يجب قضاء الجهاد ، ومحل الكلام فيمن تحرف أو تحيز بقصد ذلك ، ثم طرأ له عدم العودة ، أما جعله وسيلة لذلك فشديد الإثم إذ لا يمكن مخادعة الله في العزائم ، ( ويجوز ) التحيز ( إلى فئة بعيدة ) ( في الأصح ) لإطلاق الآية ، وإن انقضى القتال قبل عوده أو مجيئهم ، والثاني يشترط قربها ، والأوجه ضبط البعيدة بأن تكون في حد القرب المار في التيمم أخذا من ضبط القريبة بحد الغوث ، ولو حصل بتحيزه كسر قلوب الجيش امتنع كما جرى عليه ابن الوردي واعتمده الأذرعي وغيره ، ولا يشترط لحله أن يستشعر عجزا يحوجه إلى استنجاد ، وإن ذهب جمع إلى اشتراطه واعتمده ابن الرفعة .

                                                                                                                            ( ولا يشارك ) متحرف لمحل بعيد في الأوجه وإطلاق القول بالمشاركة ; لأنه كان في مصلحتنا وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف محمول على قريب لم يغب عن الصف غيبة لا يضطر إليها لأجل التحرف ; لأن ما ذكره من التعليل إنما يتأتى فيه فقط كما هو واضح ، ولا ( متحيز إلى ) فئة ( بعيدة الجيش فيما غنم بعد مفارقته ) لعدم نصرته ، ويشارك فيما غنم قبل مفارقته ( ويشارك متحيز إلى قريبة ) الجيش فيما غنم بعد مفارقته ( في الأصح ) لبقاء نصرته ، ويصدق بيمينه في قصده التحرف أو التحيز ، ولو لم يعد إلى انقضاء القتال ، ومن أرسل جاسوسا يشارك فيما غنم في غيبته مطلقا ; لأنه مع كونه في مصلحتهم خاطر بنفسه أكثر من بقائه ، والثاني لا يشاركه لمفارقته ( فإن ) ( زاد ) العدد ( على مثلين ) ( جاز الانصراف ) مطلقا للآية ( إلا أنه يحرم انصراف مائة بطل عن مائتين وواحد ضعفاء ) ويجوز انصراف مائة ضعفاء عن مائة وتسعة [ ص: 67 ] وتسعين أبطالا ( في الأصح ) اعتبارا بالمعنى بناء على أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه ; لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا لهم ، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف ، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه ولا براكب وماش .

                                                                                                                            بل الضابط كما قاله الزركشي كالبلقيني أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم ، ويرجون الظفر بهم ، أو من الضعف ما لا يقاومونهم ، وحيث جاز الانصراف ، فإن غلب الهلاك بلا نكاية وجب أو بها استحب ، والثاني يقف مع العدد

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : للآية ) أي وهي قوله تعالى { فإن يكن منكم مائة صابرة } إلخ ( قوله : بعد ملاقاته ) أي العدو ( قوله : وإن غلب على ظنه ) أي لا إن قطع به عب ا هـ سم على منهج أي فلا يحرم الانصراف ( قوله : من السبع الموبقات ) أي المهلكات ( قوله : جاز لهما الفرار ) معتمد ( قوله ويجوز لأهل بلدة ) [ ص: 66 ] ظاهره وإن كثروا ( قوله وهو أمر ) أي الدليل بقوله للآية ( قوله : جاز الانصراف مطلقا ) أي سواء كان المسلم في صف القتال أم لا ( قوله : ليكمن ) بابه دخل ( قوله المتحيز عنها ) أي المفارق لها ( قوله : فشديد الإثم ) ولا يشكل هذا بأن الحيلة المخلصة من الربا ومن الشفعة والزكاة ونحوها مكروهة ; لأن الكلام ثم مفروض في حيلة نشأت من عقد صحيح أضمر معه على أن يفعله للتخلص من الإثم ، وما هنا مفروض في قصد ترك القتال لا غير ، وإن أخبر ظاهرا بخلافه فهو كذب لمخالفته ما في نفسه ( قوله : إذ لا تمكن مخادعة الله في العزائم ) أي فيما يعزم على فعله ويريده ( قوله : ولو حصل بتحيزه كسر قلوب الجيش امتنع ) معتمد ( قوله : ولا يشترط لحله ) أي التحيز ( قوله : ولا يشارك متحرف ) مراده بالمتحرف المنتقل من محل إلى أرفع منه أو أصون ، وبهذا يفارق قول المصنف متحيز إلى فئة إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : ولو لم يعد ) غاية ( قوله : وفيما غنم في غيبته مطلقا ) أي قرب أو بعد ( قوله : يحرم انصراف مائة بطل ) أي منا ( قوله : عن مائتين وواحد ضعفاء ) أي من الكفار ( قوله : ويجوز انصراف مائة ) أي لأنهم لا يقاومونهم [ ص: 67 ] قوله بل الضابط ) أي وهذا الضابط يصدق على ما لو زاد الكفار على الضعف بنحو عشرين أو أكثر ( قوله : بلا نكاية ) أي للكفار ، وقوله وجب : أي الانصراف



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : للآية ) يعني قوله تعالى { الآن خفف الله عنكم } [ ص: 66 ] قوله مطلقا ) أي ولو بلغ المسلمون اثني عشر ألفا ، خلافا لمن ذهب إلى حرمة الانصراف مطلقا حينئذ تمسكا بالخبر الآتي ( قوله : بأن تكون ) أي الفئة المتحيز إليها ، وقوله المتحيز عنها هو بفتح التحتية : أي الفئة التي تحيز عنها ( قوله : أو قبل مجيئهم ) انظر هو مضاف لفاعله أو مفعوله




                                                                                                                            الخدمات العلمية