الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ووظيفته ) عند الإطلاق حفظ الأصول والغلات على وجه الاحتياط كولي اليتيم و ( الإجارة [ ص: 400 ] والعمارة ) وكذا الاقتراض على الوقف عند الحاجة إن شرطه له الواقف أو أذنه فيه الحاكم كما في الروضة وغيرها خلافا للبلقيني ومن تبعه سواء في ذلك مال نفسه وغيره ( وتحصيل الغلة وقسمتها ) على مستحقيها لأنها المعهودة في مثله ويلزمه رعاية زمن عينه الواقف ، وإنما جاز تقدم تفرقة المنذور على الزمن المعين لشبهه بالزكاة المعجلة ، ولو كان له وظيفة فاستناب فيها فالأجرة عليه لا على الوقف كما هو ظاهر ، ونقل الأذرعي عمن لا يحصى وقال : إن الذي نعتقده أن الحاكم لا نظر له معه ولا تصرف بل نظره معه نظر إحاطة ورعاية ، ثم حمل إفتاء ابن عبد السلام بأن المدرس هو الذي ينزل الطلبة ويقدر لهم جوامكهم ، على أنه كان عرف زمنه المطرد ، وإلا فمجرد كونه مدرسا لا يوجب له تولية ولا عزلا ولا تقدير معلوم . انتهى .

                                                                                                                            ولا يعترض [ ص: 401 ] بكون الناظر قد لا يميز بين فقيه وفقيه لأنه قائم مقام الواقف وهو الذي يولي المدرس ، فكيف قال بتقدمه عليه وهو فرعه ، وكونه لا يميز لا أثر له لتمكنه من معرفة مراتبهم بالسؤال ، والأوجه عدم وجوب تفريق معلوم الطلبة في محل الدرس خلافا لابن عبد السلام لعدم كونه مألوفا في زمننا ، ولأن اللائق بمحاسن الشريعة تنزيه مواضع العلم والذكر عن الأمور الدنيوية كالبيع واستيفاء الحق ، والأقرب أن المراد بالمعيد من يعيد للطلبة الدرس الذي قرأه المدرس ليستوضحوا أو يتفهموا ما أشكل ، ومحل ما مر إن أطلق نظره كما مر ، ومثله بالأولى ما لو فوض له جميع ذلك ( فإن فوض إليه بعض هذه الأمور لم يتعده ) اتباعا للشرط ويستحق الناظر ما شرط من الأجرة وإن زادت على أجرة مثله ما لم يكن هو الواقف كما مر ، فلو لم يشرط له شيء لم يستحق أجرة .

                                                                                                                            نعم له رفع الأمر إلى الحاكم ليقرر له أجرة ، قاله البلقيني .

                                                                                                                            قال تلميذه العراقي في تحريره : ومقتضاه أنه يأخذ مع الحاجة إما قدر النفقة له كما رجحه الرافعي ثم أو الأقل من نفقته وأجرة مثله كما رجحه النووي .

                                                                                                                            قال الشيخ : وقد يقال التشبيه بالولي إنما وقع في حكم الرفع إلى الحاكم لا مطلقا فلا يقتضي ما قاله ، وكأن مرادهم أنه يأخذ بتقرير الحاكم ، على أن الظاهر هنا أنه يستحق أن يقرر له أجرة المثل وإن كان أكثر من النفقة ، وإنما اعتبرت النفقة ثم لوجوبها على فرعه سواء أكان وليا على ماله أم لا ، بخلاف الناظر ، ولو جعل النظر لعدلين من أولاده وليس فيهم سوى عدل نصب الحاكم آخر ، وإن جعله للأرشد من أولاده فالأرشد فأثبت كل منهم أنه أرشد اشتركوا في النظر بلا استقلال إن وجدت الأهلية فيهم لأن الأرشدية قد سقطت بتعارض البينات فيها ويبقى أصل الرشد ، وإن وجدت في بعض منهم [ ص: 402 ] اختص بالنظر عملا بالبينة ، فلو حدث منهم أرشد منه لم ينتقل إليه ، ولو تغير حال الأرشد حين الاستحقاق فصار مفضولا انتقل النظر إلى من هو أرشد منه ، ويدخل في الأرشد من أولاد أولاده الأرشد من أولاد البنات لصدقه به .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والإجارة ) أي فله ذلك سواء كان المستأجر من الموقوف عليهم أو أجنبيا حيث رأى المصلحة في ذلك وإن طلبه الموقوف عليه حيث لم يشرط الواقف السكنى بنفسه .

                                                                                                                            أما إذا شرط ذلك فليس للناظر الإيجار بل يستوفي الموقوف عليه المنفعة بنفسه أو نائبه ، ثم إذا أجر الناظر نصف الموقوف شائعا صح إن لم يكن في شرط الواقف ما يمنعه ويصير .

                                                                                                                            المستأجر لذلك مستحقا لنصف المنفعة فيها والمستحق [ ص: 400 ] للنصف الآخر إن وجد كأن أجر الناظر باقيه لآخر ، وإلا انتقع المستأجر بما استأجره بمهايأة مع الناظر وباقيه إن لم يوجد من يستأجره يتعطل على جملة المستحقين والأجرة التي استأجر بها الأول النصف توزع على كل المستحقين ولا يختص بها الأول وإن كانت قدر حصته ، ولو وجد من يستأجر الكل بعد استئجار الأول للنصف لا تنفسخ إجارته ، وإن وجد قبل استئجاره فعلى الناظر ما يراه مصلحة .

                                                                                                                            ( قوله : والعمارة ) في الروض وشرحه : نفقة الموقوف ومؤنة تجهيزه وعمارته من حيث شرطت شرطها الواقف من ماله أو من مال الوقف وإلا فمن منافعه : أي الموقوف ككسب العبد وغلة العقار ، فإذا تعطلت منافعه فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة من بيت المال كمن أعتق من لا كسب له .

                                                                                                                            أما العمارة فلا تجب على أحد حينئذ كالملك المطلق بخلاف الحيوان لصيانة روحه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وظاهر أن مثل العمارة أجرة الأرض التي بها بناء أو غراس موقوف ولم تف منافعه بالأجرة ( قوله : أو أذنه فيه الحاكم ) أي فلو اقترض من غير إذن من الحاكم ولا شرط من الواقف لم يجز ولا يرجع بما صرفه لتعديه به .

                                                                                                                            ( قوله : وغيره ) قال الغزي : وإن أذن له فيه صدق ما دام ناظرا إلا بعد عزله ا هـ حج .

                                                                                                                            ( قوله : فالأجرة عليه ) أي وإن تعطل عليه معلوم الوظيفة لعمارة أو نحوها ، ولا يسقط بذلك شيء من أجرة النائب .

                                                                                                                            ( قوله : أن الحاكم لا نظر له ) انظر ولو كان الحاكم هو الذي ولاه النظر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : لا نظر له معه ولو كان هو الذي ولاه ، وقوله [ ص: 401 ] معه : أي مع الناظر .

                                                                                                                            ( قوله : والأقرب أن المراد بالمعيد إلخ ) أي حيث كان ثم معيد للدرس مقرر من جهة الواقف أو القاضي أو الناظر .

                                                                                                                            ( قوله : أو يستفهموا ما أشكل ) أي مما قرره الشيخ أولا ، فلو ترك المدرس التدريس أو امتنعت الطلبة من حضور المعيد بعد الدرس استحق المعيد ما شرط له من المعلوم لتعذر الإعادة عليه ( قوله : ما لو فرض له جميع ذلك ) وقياس ما مر في الوكيل وولي الصبي أنه إن قدر على المباشرة ولاقت به لا يجوز تفويضها لغيره ، وإلا جاز له التفويض فيما عجز عنه أو لم تلق به مباشرته ، ولا فرق في المفوض له بين المسلم والذمي حيث لم يجعل له ولاية في التصرف في مال الوقف بل استنابه فيما يباشر بالعمل فقط كالبناء ونحوه .

                                                                                                                            ( قوله : لم يتعده ) كالوكيل ، ولو فوض لاثنين لم يستقل أحدهما بالتصرف ما لم ينص عليه انتهى شرح منهج .

                                                                                                                            ( قوله : لم يستحق أجرة ) قال شيخنا الزيادي بعد ما ذكر : وليس له : أي الناظر أخذ شيء من مال الوقف ، فإن فعل ضمن ولم يبرأ إلا بإقباضه للحاكم ، وهذا هو المعتمد رملي انتهى .

                                                                                                                            وقضية قوله للحاكم أنه لا يبرأ بصرف بدله في عمارته أو على المستحقين وهو ظاهر .

                                                                                                                            ( قوله : ليقرر له أجرة ) أي وإن كان من جملة المستحقين في الوقف .

                                                                                                                            ( قوله : على أن الظاهر إلخ ) معتمد ، وقوله إنه : أي الناظر ، وقوله ثم : أي في الولي .

                                                                                                                            ( قوله : نصب الحاكم ) أي وجوبا ( قوله : فالأرشد ) هذا صريح في صحة الشرط المذكور والعمل به ، ومنه يعلم رد ما نقله سم على منهج عن مقتضى إفتاء البلقيني من أنه لو شرط النظر لنفسه ثم لأولاده بعده لم يثبت النظر للأولاد لما فيه من تعليق ولايتهم ، والولاية لا تعلق إلا في الأمر الضروري كالقضاء .

                                                                                                                            ( قوله : وإن وجدت في بعض منهم ) أي وإن كان امرأة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ونقل الأذرعي عمن لا يحصى وقال : إنه الذي تعتقده أن الحاكم لا نظر له معه إلخ ) أي : والكلام في الناظر الخاص لا من نصبه الحاكم حيث النظر له ، وعبارة الأذرعي في محل نصها فائدة : قد يؤخذ من قوله أي المنهاج أن شرط الواقف النظر إلخ أنه ليس للقاضي أن يولي في المدرسة وغيرها إلا عند فقد الناظر الخاص من جهة الواقف ; لأنه لا نظر له معه كما دل عليه كلامهم ولم أر لهم نصا يخالفه ، وربما يأتي فيه كلام ا هـ .

                                                                                                                            ثم قال في محل بعد هذا ما نصه : فرع : تعلق بعض فقهاء العصر بكلام الشيخين هنا في أنه ليس للناظر التولية في الوظائف في المدرسة وغيرها ، وربما تعلق بقولهما كذا وكذا ظانا أنه للحصر ، وصاروا يقولون بأن التولية في التدريس للحاكم وحده وليس للناظر الخاص ، وهذا غير سديد وكلام الرافعي ونحوه محمول على غالب التصرفات ، ولو حمل على الحصر لكان محله الأوقاف التي ليس فيها إلا ذلك كما هو الغالب في الوقف على معين أو موصوف بصفة لا يحتاج إلى تولية ، وانتصب بعض الشراح لنصر ذلك وأطال القول فيه وهو الذي نعتقده وأن الحاكم لا نظر له معه ولا تصرف ، إلى آخر ما ذكره عنه الشارح مع زيادة ، فقد علمت أن الكلام في الناظر الخاص وكيف يمتنع تصرف الحاكم مع من هو نائب عنه مع أن النظر في الحقيقة إنما هو له ، وإنما جوزوا له الإنابة فيه ; لكثرة أشغاله كما هو ظاهر ; وبهذا سقط ما في حواشي الشهاب سم مع ما أردفه [ ص: 401 ] به شيخنا في حاشيته ( قوله : نعم له رفع الأمر إلى الحاكم إلخ ) عبارة البلقيني المنقولة في شرح الروض : فلو رفع الأمر إلى حاكم ليقرر له أجرة فهو كما إذا تبرم الولي بحفظ مال الطفل ورفع الأمر إلى القاضي ليثبت له أجرة انتهت . [ ص: 402 ] ولعل بعضها ساقط من الشارح من النساخ ، وإلا فالذي بعد هذا لا يتم إلا به




                                                                                                                            الخدمات العلمية