الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويشترط ) لصحة الإجارة ( كون الأجرة معلومة ) جنسا وقدرا وصفة إن كانت في الذمة وإلا كفت مشاهدتها في إجارة العين والذمة كما مر نظيره في الثمن . ويؤخذ من تشبيهها بالثمن أنها لو حلت وقد تغير النقد وجب من نقد يوم العقد لا يوم تمام العمل ولو في الجعالة ، إذ العبرة في الأجرة حيث كانت نقدا بنقد بلد العقد وقته ، فإن كانت ببادية اعتبر أقرب البلاد إليها كما بحثه الأذرعي . والعبرة في أجرة المثل في الفاسدة بموضع إتلاف المنفعة نقدا ووزنا ، وجواز الحج بالرزق مستثنى توسعة في تحصيل العبادة على أنه ليس بإجارة كما اقتضاه كلام الروضة كالشرح الصغير خلافا للولي العراقي ، بل هو نوع من التراضي والمعونة فهو جعالة اغتفر فيها الجهل بالجعل كمسألة العلج ( فلا تصح ) إجارة لدار ( بالعمارة ) لها ( و ) لا لدابة بصرف أو بفعل ( العلف ) لها بفتح اللام المعلوف به وبإسكانها كما بخطه المصدر للجهل بهما وإن كان عينا كآجرتكها بدينار على أن تصرفه في عمارتها أو علفها للجهل بالصرف فتصير الأجرة مجهولة ، فإن صرف وقصد الرجوع به رجع وإلا فلا ، والأوجه أن التعليل بالجهل جرى [ ص: 267 ] على الغالب ، فلو كان عالما بالصرف فالحكم كذلك كبيع زرع بشرط أن يحصده البائع .

                                                                                                                            والحاصل أنه حيث كان هناك شرط بطلت مطلقا وإلا كآجرتكها بعمارتها ، فإن عينت صحت وإلا فلا . أما إذا أذن له في صرفها بعد العقد بلا شرط فيه وتبرع المستأجر به فيجوز ، واغتفر هنا اتحاد القابض والمقبض للحاجة ، على أنه في الحقيقة لا اتحاد تنزيلا للقابض من المستأجر وإن لم يكن معينا منزلة الوكيل عن المؤجر وكالة ضمنية . ويؤخذ من ذلك صحة ما جرت به العادة في زمننا من تسويغ الناظر المستحق باستحقاقه على ساكن الوقف فيما يظهر ويصدق المستأجر بيمينه في أصل الإنفاق وقدره كما رجحه السبكي لأنه ائتمنه . ومحله إذا ادعى قدرا لائقا في العادة كما يأتي نظيره في الوصي وأولى وإلا احتاج إلى بينة ، ولا ينافيه قولهم لو قال الوكيل أتيت بالتصرف المأذون فيه وأنكر الموكل صدق الموكل لأنه ليس هناك شيء في الخارج يحال عليه قول الوكيل والأصل عدم ما ادعاه وهنا العمارة موجودة في الخارج ولا تستغنى الدابة عن العلف فصدق المستأجر ، وحينئذ فلا جامع بين المسألتين ولا تكفي شهادة الصناع له أنه صرف على أيديهم كذا لأنهم وكلاؤه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو ظاهر ، ولو اكترى نحو حمام مدة يعلم عادة تعطلها فيها لنحو عمارة ، فإن شرط احتساب مدة التعطيل من الإجارة وجهلت [ ص: 268 ] فسدت وإلا ففيها وفيما بعدها ( ولا ) الإيجار ( ليسلخ ) شاة مذبوحة ( بالجلد ويطحن ) برا ( ببعض الدقيق أو النخالة ) التي تخرج منه للجهل بثخانة الجلد ورقته ونعومة الدقيق وخشونته لانتفاء القدرة عليهما حالا ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان ، وفسر بأن يجعل أجرة الطحن لحب معلوم قفيزا مطحونا . قال السبكي : ومنه ما يقع في هذه الأزمان من جعل أجرة الجابي العشر مما يستخرجه . قال : فإن قيل لك نظير العشر لم تصح الإجارة أيضا ، وفي صحته جعالة نظر ، والأوجه فيها البطلان للجهل بالجعل .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو في الجعالة ) الأولى أن يقول : وكالأجرة الجعالة لأنها لا تصلح غاية للإجارة ( قوله : اعتبر أقرب البلاد إليها ) أي فلو استوى إليها محلان واختلف نقداهما اشترط تعيين نقد أحدهما كما في البيع ببلد بها نقدان لم يغلب أحدهما ( قوله : فلا تصح إجارة لدار بالعمارة ) أي حيث كانت العمارة مجهولة لما يأتي في قوله فإن عينت إلخ ( قوله وإن كان ) غاية إلى ما عقد عليه من الأجرة به ، وقوله عينا : أي معلوما ( قوله : فإن صرف وقصد إلخ ) ظاهره أنه لا فرق في الرجوع بما صرفه عند نيته بين كون الآذن مالكا أو غيره كولي المحجور عليه وناظر الوقف . وقد يقال في جواز ذلك على غير المالك نظرا لأنه لا ينبغي له الإذن المذكور بل حقه أن يباشر بنفسه فإذنه لاغ ، لكنه إن جرت العادة بذلك احتمل الاكتفاء به فليراجع ، والأقرب الأول ، وظاهره أنه لا يتوقف رجوعه على إشهاد وهو قريب . هذا [ ص: 267 ] ويحتمل أن المستأجر يرجع بما صرفه على الناظر والناظر لا رجوع له على جهة الوقف ، كما لو غصب شاة واستأجر قصابا لذبحها فذبحها جاهلا كون المستأجر غاصبا فإن القصاب يرجع على الغاصب بأجرة المثل لكونه حمله على الفعل والغاصب لا يرجع على المالك بشيء لتعديه ، وهذا الاحتمال هو الظاهر ( قوله : بشرط أن يحصده البائع ) أي فإنه باطل ( قوله : كان هناك شرط ) أي أو ما في قوة الشرط كآجرتكها بعمارتها ( قوله : فإن عينت ) أي العمارة كآجرتكها بعمارة هذا المحل ( قوله : وتبرع المستأجر به ) أي بالعمل ( قوله : فيجوز ) أي سواء كان ذلك في الملك أو الوقف ( قوله : منزلة الوكيل ) فيه أن تنزيله منزلة الوكيل يصح قبضه عن الناظر فيكون في يده أمانة للناظر ، ودخوله في ملكه يستلزم كونه قابضا عن الناظر مقبضا لنفسه فلم ينتف الاتحاد المذكور ( قوله : وكالة ضمنية ) لكن يشكل عليه قوله الشخص لا يكون وكيلا عن غيره في إزالة ملك نفسه عن الأجرة ، وقد يمنع ذلك بأنه ليس وكيلا عن المستأجر لأن المستأجر يفرغ ذمته مما اشتغلت به والعملة هم الوكلاء عن المؤجر في قبض الأجرة من المستأجر ، لكن يبقى الإشكال المشار إليه فيما مر بأن فيه اتحاد القابض والمقبض ( قوله : ويؤخذ من ذلك ) أي من الاكتفاء بالإذن للمستأجر في الصرف ( قوله : ويصدق المستأجر ) هو ظاهر حيث كانت الإجارة من المالك . أما ناظر الوقف إذا وقع منه مثل ذلك ففي تصديق المستأجر فيما صرفه نظر فليراجع لأن تصديقه ليس في مملوك له بل تصديق على صرف مال الوقف وقد لا يكون المستأجر فيه صادقا ( قوله : وهنا العمارة موجودة ) قضيته أنه لو كان الموكل فيه نحو عمارة بمال دفعه إليه واختلفا بعد وجود عمارة بالصفة المأمور بها صدق الوكيل ا هـ سم على حج . أقول : وهو ظاهر ( قوله : أنه صرف على أيديهم كذا ) أي لأنفسهم . أما لو شهدوا بأنه اشترى الآلة التي بها بكذا وكانوا عدولا وشهد بعضهم لغيره بأنه دفع له كذا عن أجرته لم يمتنع . أو قالوا نشهد بأنه صرف على عمارة المحل كذا ولم يضيفوا ذلك لأنفسهم فيقبل القاضي شهادتهم ما لم يعلم القاضي أنهم يعنون أنفسهم ( قوله : يعلم عادة ) [ ص: 268 ] قضيته أنه لو لم يعلم بل طرأ ما يوجب تعطلها عدم الانفساخ وهو كذلك كما يعلم مما سيأتي فيما لو غصبت الدابة المستأجرة من ثبوت الخيار على ما يأتي ( قوله : فإن شرط إلخ ) أي من جانب المؤجر أو المستأجر ووافقه عليه ( قوله : وإلا ففيها ) أي فيبطل فيها إلخ ، وطريقهم للصحة تجديد العقد فيما بقي من المدة بأجرة معلومة ( قوله : ليسلخ ) من باب قطع ودخل ا هـ مختار ( قوله : ويطحن برا ببعض الدقيق ) خرج بالدقيق ما لو استأجره ببعض البر ليطحن باقيه فلا يمتنع . وعبارة حج : وصورة المسألة أن يقول لتطحن الكل بقفيز منه أو يطلق ، فإن قال استأجرتك بقفيز من هذا لتطحن ما عداه صح ، فضابط ما يبطل أن يجعل الأجرة شيئا تحصل بعمل الأجير ا هـ . وقياس ما مر للشارح فيما لو ساقى أحد الشريكين شريكه وما يأتي فيما لو استأجر امرأة لإرضاع رقيق ببعضه فيصح سواء قال لتطحن باقيه أو كله الآن من أن المعتمد فيه الصحة مطلقا أنه هنا كذلك ( قوله : أو النخالة ) أي ابتداء ( قوله : والأوجه فيها البطلان ) خلافا لحج أي ويستحق أجرة المثل .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ولو في الجعالة ) الأولى كالجعالة ( قوله : للجهل بالصرف ) أي العمل ، وقوله : فتصير الأجرة مجهولة : أي ; لأنها مجموع الدينار والصرف .

                                                                                                                            والمجهول إذا انضم إلى معلوم صيره مجهولا ( قوله : فإن صرف وفقد الرجوع به رجع ) أي بالمصروف وبأجرة عمله [ ص: 267 ] قوله : وتبرع المستأجر به ) أي بصرفه بمعنى عمله ( قوله : اتحاد القابض والمقبض ) أي : المستأجر ; لأنه يصير كأنه أقبض المؤجر ثم قبض منه للصرف هكذا ظهر فليتأمل . ( قوله : على أيديهم ) المراد على عملهم ومن ثم علله بقوله ; لأنهم وكلاؤه أي فهي شهادة على فعل أنفسهم بخلاف ما لو شهدوا بأنه صرف كذا فإنها تقبل إلا إن علم الحاكم أنهم يعنون أنفسهم قاله الزيادي . ( قوله : فإن شرط احتساب مدة التعطيل من الإجارة ) انظر ما مفهوم هذا الشرط ، وعبارة العباب : لو أجر [ ص: 268 ] حانوتا خرابا على أن يعمره من ماله ويحسب من الأجرة أو حماما على أن مدة تعطله محسوبة على المستأجر بمعنى انحصار الأجرة في الباقي ، أو على المؤجر بمعنى استيفاء مثلها بعد المدة فسدت لجهل نهاية المدة ; فإن علمت بعادة أو تقدير كتعطل شهر كذا للعمارة بطل في تلك المدة وما بعدها وصح فيما اتصل بالعقد انتهت .

                                                                                                                            ( قوله : قال السبكي ومنه ما يقع في هذه الأزمان إلخ ) تراجع عبارة التحفة




                                                                                                                            الخدمات العلمية