الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في بيان الاستثناء وهو إخراج ما لولاه لدخل بنحو إلا فقال ( ويصح الاستثناء ) هنا ككل إنشاء وإخبار لوروده في الكتاب والسنة وهو مأخوذ من الثني بفتح فسكون : أي الرجوع لرجوعه عما اقتضاه لفظه ( إن اتصل ) بالإجماع وما حكي عن ابن عباس قيل لم يثبت عنه ولئن ثبت فهو مؤول .

                                                                                                                            نعم السكوت اليسير بقدر سكتة تنفس أو عي أو تذكر أو انقطاع صوت غير مضر ويضر كلام أجنبي يسير أو سكوت طويل ، فلو قال : له علي ألف الحمد لله إلا مائة أو أستغفر الله أو يا فلان ضر على ما أشار إليه في الروضة ، فإنه لما نقل صحة الاستثناء مع ذلك نظر فيه ، واستوضح غيره النظر في يا فلان بخلافه في أستغفر الله لقول الكافي : لا يضر لأنه [ ص: 105 ] لاستدراك ما سبق وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ويشترط أن يقصده قبل فراغ الإقرار كما في نظيره من الطلاق ولكونه رفعا لبعض ما شمله اللفظ احتاج إلى نية ولو كان إخبارا ولا بعد فيه خلافا للزركشي ( ولم يستغرق ) المستثنى المستثنى منه ، فإن استغرقه كخمسة إلا خمسة كان باطلا بالإجماع إلا من شذ لما في ذلك من المناقضة الصريحة ، ولهذا لم يخرجوه على الجمع بين ما يجوز وما لا يجوز لانتفاء المناقضة فيه ، هذا كله إن اقتصر عليه ، وإلا كخمسة إلا خمسة إلا ثلاثة فهو صحيح لأنه استثنى من الخمسة خمسة إلا ثلاثة ، وخمسة إلا ثلاثة اثنان أو لأن الاستثناء من النفي إثبات وعكسه كما قال ( فلو ) ( قال له ) علي ( عشرة إلا تسعة ) أي إلا تسعة لا تلزم ( إلا ثمانية ) تلزم فتضم الواحد الباقي من العشرة فلذا كان الواجب ما ذكره بقوله ( لزمه تسعة ) وطريق ذلك ونظائره أن تجمع كل مثبت وكل منفي وتسقط هذا من ذاك فالباقي هو الواجب ، فمثبت هذه الصورة ثمانية عشر ومنفيها تسعة أسقطها منها تبقى تسعة

                                                                                                                            ولو زاد عليها إلى الواحد كان مثبتها ثلاثين ومنفيها خمسة وعشرين أسقطها منها تبقى خمسة ، هذا كله عند تكرره من غير عطف ، وإلا كعشرة إلا خمسة وثلاثة أو إلا خمسة وإلا ثلاثة كانا مستثنيين من العشرة فيلزمه درهمان ، فإن كان لو جمعا استغرقا كعشرة إلا سبعة وثلاثة اختص البطلان بما به الاستغراق وهو الثلاثة فيلزمه ثلاثة ، وفي ليس له علي شيء إلا خمسة يلزمه خمسة وفي ليس له علي عشرة إلا خمسة لا يلزمه شيء لأن عشرة إلا خمسة خمسة ، فكأنه قال : ليس له علي خمسة بجعل النفي موجها إلى كل من المستثنى والمستثنى منه وإن كان خارجا عن القاعدة السابقة أنه من النفي إثبات احتياطا للإلزام ، وفي ليس له علي أكثر من مائة لا تلزم المائة ولا أقل منها ، ولا يجمع مفرق في المستثنى منه ولا في المستثنى ولا فيهما لاستغراق ولا لعدمه فعلي درهمان ودرهم إلا درهما مستغرق وثلاثة إلا درهمين ودرهما أو إلا درهما ودرهما ودرهما نلغي درهما لحصول الاستغراق به فيجب درهم ، وكذا ثلاثة إلا درهما ودرهما يلزمه درهم لجواز الجمع هنا فلا استغراق ، ولو قال : له علي شيء إلا شيئا أو مال إلا مالا أو نحوهما فكل من المستثنى و المستثنى منه مجمل فليفسرهما ، فإن فسر الثاني بأقل مما فسر به الأول صح الاستثناء وإلا لغا ، ولو قال : له علي [ ص: 106 ] ألف إلا شيئا أو عكس فالألف والشيء مجملان فليفسرهما مع الاجتناب في تفسيره لما يقع به الاستغراق ، ولو قال : له علي ألف إلا درهما فالألف مجمل فليفسره بما فوق الدرهم ، فلو فسره بما قيمته درهم فما دونه كان الاستثناء لاغيا وكذا التفسير ، ولو قدم المستثنى على المستثنى منه صح كما قاله الرافعي أول كتاب الأيمان .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وما حكي عن ابن عباس ) من عدم اشتراط الاتصال ( قوله : أو أستغفر الله إلخ ) عبارة حج وكذا إلخ وهي تفيد أنه لم ينظر في الروضة في الحمد لله ( قوله : واستوضح غيره النظر في يا فلان ) سكت عن الفصل [ ص: 105 ] بالحمد لله والقياس الضرر ، ثم رأيت شيخنا الزيادي جزم به في حاشيته ومثل ذلك في الضرر الفصل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( قوله : قبل فراغ الإقرار ) أي ولو مع آخر حرف منه أو عند أول حرف مثلا وإن عزبت النية قبل فراغ الصيغة ، ثم قضية قوله ويشترط أن يقصده إلخ أنه لا بد من قصد الإخراج قبل الفراغ من الصيغة ، وقياس ما تقدم عن سم في التعليق بإن شاء الله في قوله ينبغي أن المراد قصد الإتيان بالصيغة إلى آخره أن يكتفي هنا بقصد الإتيان بصيغة الاستثناء قصده أو أطلق ( قوله : ولم يستغرق ) أي وأن يسمعه من بقربه ( قوله : فهو صحيح ) أي فيلزمه ثلاثة .

                                                                                                                            [ فائدة ] ذكرها ابن سراقة عليه ألف لرجل وله عليه قيمة عبد أو ثوب أو عشرة دنانير مثلا ويخشى أن يقر له بألف فيجحد الذي له فطريقه أن يقول : له علي ألف إلا كذا وكذا ويقوم الذي له ويحلف عليه ع ( قوله : فتضم ) أي الثمانية ( قوله : ولو زاد عليها ) أي الثمانية وقوله إلى الواحد كأن قال إلا سبعة إلا ستة إلخ ( قوله : فيلزمه ثلاثة ) أي الباقية من العشرة بعد استثناء السبعة ( قوله : ولا أقل منها ) أي لأن دلالة المفهوم ضعيفة لا يعمل بها في الأقارير ( قوله : ولا فيهما ) أي وإن قصد الجمع لا يعتد بقصده ( قوله : مستغرق ) فتلزمه ثلاثة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : على ما أشار إليه في الروضة ) يعني في أستغفر الله ويا فلان ، وإلا فمسألة الحمد لله ليست في الروضة .

                                                                                                                            ( قوله : واستوضح غيره النظر في يا فلان ) أي ومثله الحمد لله كما يؤخذ من علة الكافي وصرح به الزيادي [ ص: 105 ] قوله : ولا بعد فيه ) ما فيه من البعد لا ينكر كما يعرف بالتأمل لوضوح الفرق بين الإنشاءات والإخبارات ( قوله : لجواز الجمع هنا فلا استغراق ) عبارة التحفة : إذ لا استغراق [ ص: 106 ] قوله : وكذا التفسير ) وانظر هل له أن يفسر بعد ذلك بأقل من درهم ؟




                                                                                                                            الخدمات العلمية