الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1836 ويروى عن الحسن ، عن غير واحد من الصحابة مرفوعا فقال : أفطر الحاجم والمحجوم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي ويروى عن الحسن البصري ، عن غير واحد من الصحابة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . قوله : " فقال " بالفاء ويروى قال بدون الفاء ، وأشار بهذا إلى أنه روي عن الحسن ، عن جماعة من الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وهم أبو هريرة وثوبان ومعقل بن يسار وعلي بن أبي طالب وأسامة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                  أما حديث أبي هريرة فرواه [ ص: 38 ] النسائي قال : أخبرنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن يونس ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " ثم قال النسائي ذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي هريرة فيه ثم روى من حديث أبي عمرو ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " ثم قال : وقفه إبراهيم بن طهمان ، ثم روى من حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " ثم رواه من طريق آخر من حديث شقيق بن ثور ، عن أبي هريرة قال : يقال " أفطر الحاجم والمحجوم أما أنا فلو احتجمت ما باليت" أبو هريرة يقول هذا، ثم روى من حديث عطاء ، عن أبي هريرة قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وفي لفظ عن عطاء ، عن أبي هريرة ولم يسمعه منه قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وفي لفظ عن عطاء عن رجل ، عن أبي هريرة قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث ثوبان فقال علي بن المديني : روى حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " قتادة ، عن الحسن ، عن ثوبان ، وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية أبي قلابة أن أبا أسماء الرحبي حدثه أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وأخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث معقل بن يسار فرواه النسائي من رواية سليمان بن معاذ ، عن عطاء بن السائب قال : شهد عندي نفر من أهل البصرة منهم الحسن ، عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رأى رجلا يحتجم وهو صائم فقال أفطر الحاجم والمحجوم " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فرواه النسائي أيضا من رواية سعد بن أبي عروبة ، عن مطر ، عن الحسن ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث أسامة بن زيد فرواه النسائي من رواية أشعث بن عبد الملك ، عن الحسن ، عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " قال النسائي : ولم يتابع أشعث أحد علمناه على روايته ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله : قد تابعه عليه يونس بن عبيد إلا أنه من رواية عبيد الله بن تمام ، عن يونس رواه البزار في زيادات المسند وقال وعبيد الله هذا فغير حافظ . انتهى .

                                                                                                                                                                                  وقد اختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا ، وقيل عنه عن ثوبان ، وقيل عنه عن علي ، وقيل عنه عن معقل بن يسار ، وقيل عن معقل بن سنان ، وقيل عنه عن أبي هريرة ، وقيل عنه عن سمرة ، قال شيخنا : ويمكن أن يكون ليس باختلاف ، فقد روي عن الحسن ، عن رجال ذوي عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن بعض من سمي من الصحابة لم يسمع منه الحسن، منهم علي وثوبان وأبو هريرة على ما قيل ، وقال ابن عبد البر : حديث أسامة ومعقل بن سنان وأبي هريرة معلولة كلها لا يثبت منها شيء من جهة النقل .

                                                                                                                                                                                  واعلم أنه قد روي في هذا الباب ، عن رافع بن خديج ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " رواه الترمذي ، وتفرد به ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، وروي عن علي بن المديني قال : لا أعلم في الحاجم والمحجوم حديثا أصح من هذا ، وأخرجه البزار في زيادات المسند من طريق عبد الرزاق ، عن معمر وقال : لا نعلم يروى عن رافع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، وقال أحمد : تفرد به معمر ، وروي أيضا عن شداد بن أوس ، رواه أبو داود والنسائي من رواية أبي قلابة ، عن أبي الأشعث " عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أفطر الحاجم والمحجوم " أتى علي رجل بالبقيع وهو آخذ بيدي لثماني عشر خلت من رمضان فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن عائشة رضي الله تعالى عنها رواه النسائي من رواية ليث عن عطاء ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وليث هو ابن سليم مختلف فيه ، وعن ابن عباس رواه النسائي أيضا من رواية قبيصة بن عقبة ، حدثنا مطر ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " ورواه البزار أيضا قال : ورواه غير واحد عن مطر ، عن عطاء مرسلا ، وعن أبي موسى رواه النسائي من حديث أبي رافع قال : دخلت على أبي موسى الحديث ، وفيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن بلال رضي الله تعالى عنه رواه النسائي أيضا من رواية شهر ، عن بلال ، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن ابن عمر رواه ابن عدي من رواية نافع عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن ابن مسعود رواه العقيلي في الضعفاء من رواية الأسود عنه قال : " مر بي النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يحجم أحدهما الآخر [ ص: 39 ] فاغتاب أحدهما ولم ينكر عليه الآخر فقال أفطر الحاجم والمحجوم " وعن جابر رواه البزار من رواية عطاء عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن سمرة أيضا من رواية الحسن ، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن أبي زيد الأنصاري رواه ابن عدي من حديث أبي قلابة عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " وعن أبي الدرداء ذكره النسائي عند ذكر طرق حديث عائشة في الاختلاف على ليث ، ولما روى الطحاوي حديث أبي رافع وعائشة وثوبان وشداد بن أوس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قال : فذهب قوم إلى أن الحجامة تفطر الصائم حاجما كان أو محجوما واحتجوا في ذلك بهذه الآثار أي أحاديث هؤلاء المذكورين . قلت : أراد بالقوم هؤلاء عطاء بن أبي رباح والأوزاعي ومسروقا ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل وإسحاق ، فإنهم قالوا : الحجامة لا تفطر مطلقا ، ثم قال الطحاوي : وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا تفطر الحجامة حاجما أو محجوما .

                                                                                                                                                                                  قلت : أراد بهم عطاء بن يسار والقاسم بن محمد وعكرمة وزيد بن أسلم وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبا العالية وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي وأصحابه إلا ابن المنذر فإنهم قالوا الحجامة لا تفطر ، ثم قال : وممن روينا عنه ذلك من الصحابة سعد بن أبي وقاص والحسين بن علي وعبد الله بن مسعود وابن زيد وابن عباس وزيد بن أرقم وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                  ثم أجاب الطحاوي عن الأحاديث المذكورة بأنه ليس فيها ما يدل على أن الفطر المذكور فيها كان لأجل الحجامة ، بل إنما ذلك كان لمعنى آخر وهو أن الحاجم والمحجوم كانا يغتابان رجلا ؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم ما قال ، وكذا قال الشافعي رحمه الله فحمل أفطر الحاجم والمحجوم بالغيبة على سقوط أجر الصوم ، وجعل نظير ذلك أن بعض الصحابة قال للمتكلم يوم الجمعة لا جمعة لك ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام صدق ولم يأمره بالإعادة ، فدل على أن ذلك محمول على إسقاط الأجر قال الطحاوي : وليس إفطارهما ذلك كالإفطار بالأكل والشرب والجماع ، ولكن حبط أجرهما باغتيابهما فصارا بذلك كالمفطرين لا أنه إفطار يوجب عليهما القضاء ، وهذا كما قيل الكذب يفطر الصائم ليس يراد به الفطر الذي يوجب القضاء إنما هو على حبوط الأجر قال : وهذا كما يقول فسق القائم ليس معناه أنه فسق لأجل قيامه ، ولكنه فسق لمعنى آخر غير القيام ، ثم روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : إنا كرهنا الحجامة للصائم من أجل الضعف ، وروى أيضا عن حميد قال : سأل ثابتا البناني أنس بن مالك هل كنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال : لا إلا من أجل الضعف ، وروي أيضا عن جابر بن أبي جعفر ، وسالم عن سعيد ومغيرة عن إبراهيم وليث عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف . انتهى .

                                                                                                                                                                                  وقد ذكرت وجوه أخرى . منها ما قيل إن فيها التعرض للإفطار ، أما المحجوم فللضعف وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يصل إلى جوفه من طعم الدم ، وهذا كما يقال للرجل يتعرض للهلاك قد هلك فلان وإن كان سالما ، وكقوله من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين يريد أنه قد تعرض للذبح لا أنه ذبح حقيقة .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل إنه صلى الله عليه وسلم مر بهما مساء فقال أفطر الحاجم والمحجوم ، فكأنه عذرهما بهذا أو كانا أمسيا ودخلا في وقت الإفطار قاله الخطابي ، ومنها ما قيل إن هذا على التغليظ لهما كقوله: " من صام الدهر لا صام ولا أفطر " ومنها ما قيل إن معناه جاز لهما أن يفطرا كقوله أحصد الزرع إذا حان أن يحصد ، ومنها ما قيل إن أحاديث الحاجم والمحجوم منسوخة بحديث ابن عباس الذي يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية